مقالات

رابطة الصداقة الصينية – العربية ومغادرة الشركات الصينية للسودان

خبر وتحليل

عمار العركي

 

▪️تزامن انعقاد الاجتماع الخامس عشر للمكتب التنفيذي لرابطة جمعيات الصداقة العربية–الصينية، التي يشغل أمانتها العامة وزير الخارجية الأسبق د. علي يوسف، مع إعلان الشركة الصينية الوطنية CNPC عن قرارها إنهاء كافة أنشطتها النفطية في السودان، ليخلق هذا التوازي بين الحدثين مشهدًا يُلقي الضوء على واقع العلاقات السودانية–الصينية في زمن الحرب. وعلي واقع الجمعية الأم للصداقة العربية–الصينية التي تأسست في بكين عام 2001، في سياق صيني رسمي يهدف لتعميق التفاهم بين الشعوب العربية والصين بعد أحداث سبتمبر.

▪️كانت الخرطوم في 2006 واحدة من أولى العواصم العربية التي استضافت لقاءً مهمًا شكل اللبنات الأولى لما عُرف لاحقًا برابطة جمعيات الصداقة العربية–الصينية، مؤكدًا دور السودان الرائد والمؤسس في هذا الإطار الذي أصبح اليوم جسراً عربياً–صينياً موحداً. هذا التاريخ يمثل ذروة العلاقة الاستراتيجية بين الخرطوم وبكين، حيث تزامنت مع مشاريع نفطية بدأت منذ منتصف التسعينات، واستثمارات اقتصادية ضخمة، وبنية تحتية متنامية، إلى جانب وجود شخصيات دبلوماسية سودانية بارزة مثل د. علي يوسف، الذي أسهم بشكل مباشر في بناء جسور الثقة مع الصين وترك بصمة واضحة في ملفات النفط والتعاون الاستراتيجي. ومن هنا لم يكن غريبًا أن يتولى لاحقًا منصب الأمين العام للرابطة العربية–الصينية، بوصفه أحد المهندسين التاريخيين لهذه العلاقة، رغم أن دوره اليوم يتم في سياق غير رسمي، بعيدًا عن أي صفة تمثيلية رسمية للدولة السودانية.

▪️لكن المفارقة الحقيقية تكمن في أن الشركة الصينية، التي أثبتت قدرتها على العمل في السودان في ظروف كانت أكثر خطورة وتعقيدًا في التسعينات، قررت اليوم الانسحاب الكامل، ليس لأسباب أمنية فحسب، بل لإرسال رسالة سياسية واضحة حول غياب الدولة السودانية كممثل قادر على تقديم الضمانات واستمرارية القرار، وغياب الرؤية المؤسسية والسياسية التي تجعل أي استثمار مستدامًا. هذا الانسحاب مؤشر على خلل عميق في إدارة العلاقات الخارجية، حيث لم يعد السودان قادراً على حماية تحالفاته التاريخية ولا على فرض وجوده داخل شبكة التحالفات التي كانت تُحسب له كرصيد استراتيجي ثابت.

▪️إن خروج CNPC يسلط الضوء على الفجوة بين ما كان السودان عليه في 2006، كعاصمة رائدة في تأسيس رابطة الصداقة العربية–الصينية، وبين الواقع الحالي، حيث تتحول الدولة من شريك مؤسس وفاعل إلى متلقي للرسائل السياسية، عاجز عن التأثير أو الاحتفاظ بحلفائه الطبيعيين. فالدبلوماسية لا تُبنى على الذكريات أو الرموز التاريخية فقط، بل على القدرة المؤسسية والإدارة الفعالة للعلاقات والاستمرارية في تنفيذ الالتزامات، وهي عناصر غائبة اليوم في السودان.

▪️يبقى السؤال الحقيقي: كيف لدولة كانت رائدة ومؤسسة في العلاقات العربية–الصينية أن تصل إلى مرحلة يفقد فيها أهم ذراع استثماري صيني على أرضها؟ وكيف يمكنها أن تعيد بناء تحالفاتها وصورتها الخارجية بينما تضيع منها القديمة بسبب غياب التخطيط والاستراتيجية في إدارة علاقاتها؟ هذه المفارقة ليست صدفة، بل نتيجة مباشرة لأسلوب إدارة السودان لعلاقاته الخارجية في زمن الحرب، وهي رسالة واضحة أن عودة الاستقرار السياسي المؤسسي لا تقل أهمية عن وقف الحرب نفسها، إذا كان الهدف الحفاظ على المصالح الإستراتيجية والتاريخية للدولة.

▪️إن خروج الصين اليوم هو أكثر من مجرد حدث اقتصادي، إنه إنذار دبلوماسي صارخ يذكّر السودان بضرورة استثمار إرثه التاريخي في بناء العلاقات الخارجية، خصوصًا تلك التي ساهمت الخرطوم في تأسيسها، وتحويل رموزه وخبراته إلى أدوات فاعلة تعيد له مكانته الريادية في قلب الشبكات الاستراتيجية، بدل أن يصبح متلقياً للقرارات والمواقف الدولية.

*خـلاصـة القـول ومنتهـاه:*

▪️خروج CNPC اليوم ليس مجرد انسحاب اقتصادي أو قرار استثماري عابر، بل هو انعكاس حقيقي لضعف القدرة السودانية على حماية مكاسبها التاريخية وإدارة تحالفاتها الاستراتيجية في زمن الحرب. لقد كانت الخرطوم يومًا محورًا رائدًا في تأسيس روابط الصداقة العربية–الصينية، ومصدرًا للرؤية التي رسّخت العلاقة مع بكين، لكن تراجع إدارة الدولة وتعطل مؤسساتها جعل من إرثها التاريخي مجرد ذكرى، لم يُستثمر بالشكل الذي يحفظ مصالحها ويضمن استمرار النفوذ.

▪️الرسالة الواضحة هنا أن استعادة السودان لمكانته الحقيقية على الخارطة الإستراتيجية لا تتحقق إلا عبر الجمع بين الإرث التاريخي، وفعالية الدبلوماسية، والقدرة المؤسسية على ترجمة العلاقات إلى تحالفات قابلة للاستمرار، وإلا فإن أي إنجاز سابق سيظل مجرد محطة مضت، دون أن تصنع الفارق في حاضر ومستقبل البلاد.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى