
رحبوا بترمب ولو رقص علي المسرح ..!!
بقلم :د. خالد حسن لقمان
.. لا اعتقد بأن الدخول الدراماتيكي لترمب في أمر السودان والذي بدا وكأنه فوضي مرورية تجاوز فيها السيد ترمب الجميع بما في ذلك شارة المرور أنه وكما قال الرجل جاء عرضاً وعلي ضوء دعوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فهما بلغ بنا التقدير في تأمل ما تعيشه الإمبراطورية الأمريكية من تراجع مع كثير من الربكة في شكل حكمها التنفيذي وفعلها الاستراتيجي فلا يجب أن يبلغ ظننا أن الأمر قد بلغ حد الفوضي الكاملة التي يتحرك فيها مبعوث للرئيس ترمب و بإسمه دون أن يدري الأخير عن ملفه وتطوراته شئ ..
.. نعم بلغ الأمر بالولايات المتحدة درجات كبيرة فيي الانحدار المؤسسي للدولة مع تراجع كبير في معدلات ومؤشرات اقتصادها و أسواقها الخارجية و ازماتها الداخلية مع تضعضع نفوذها السياسي الخارجي بمنافسة الصاعدون الجدد من الشرق والشرق البعيد مع ازمتها الأكبر من ذلك والمتمثلة في تراجع فكرها ككتلة بشرية ذات تماس مباشر ومتطور مع حركة الإنسان الحديث ونبوغه في تطوير حياته تقنياً وتكنولوجياً وهو ما انعكس علي تعاطيها الرأسي مع القضايا الدولية والمتفاعلة التي تورطت فيها و علي نحو مباشر في الشرق الأوسط وغزة بمشاهد الفعل الظالم والقتل والتشريد للأمم عبر النفوذ الأمريكي والسلاح الأمريكي بل والمساندة السياسية الأمريكية المباشرة للحد الذي خرجت فيها شعوبها وجامعاتها و نسيجها الواعي تندد وتحزر من سقوط أمريكا العظيمة بمبادئها التي نادت بها في جانب الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة المعافاة للكتلة البشرية جمعاء .. مثل هذه الأفعال يقول علماء المجتمعات و السياسة أنها دوماً ما ترتبط بالفصول الختامية لحياة وتاريخ هذه الإمبراطوريات التي ما انهارت و تلاشت إلا علي نحو دراماتيكي مفاجئ غير محسوب بفعل غرور قادتها وجهلهم الذي يضع علي عينيها عصابة لا تنزع عنها إلا و هي أمام قدرها المحتوم المكتوب عليها .. ولكل أجل كتاب تماماً كما وحياة البشر .. دراماتيكي تماماً كالذي قام به ترمب أخيراً علي المشهد السوداني الذي و ان كان موصوفاً هنا علي سخف معناه المباشر هذا فإن الأداء المسرحي لترمب الذي وصف عبره الوضع في السودان و ما كان قد علق في ذهنه عن ذلك يبدو أكثراً سخفاً بمجافاته للمنطق السوي و العقل الحصيف .. ولا أحد سيقنعه ترمب بأن السودان شئ ما لم يوضع ملفه علي مكتبه في يوم ما منذ اندلاع حربه الأخيرة كما لا أحد يريد ان يصدق بأنك يا سيادة الرئيس غبي للدرجة التي لا تدرك معها تطورات الحياة في كوكب الأرض الذي يتسيده ( سموك ) هذه الكلمة التي أعجبتك أخيراً فقدمتها مرة ومرات لضيفك الغني ..
.. ولكن الأمر بالنسبة للسودان الآن وعلي النحو الذي حدث به يعتبر أمر شديد الأهمية والتأثير علي مجريات الحرب وان كان التخوف من قدرة الرجل علي فعل شئ عطفاً علي مشهد غزة وإسرائيل والذي فيه ظل ترمب أسيراً لمزاجات و رغبات نتياهو و ( جوقته ) من قتلة الأطفال والنساء والشيوخ إلا أن نزعة الرجل لتحقيق النجاحات الإقتصادية مع العلامة السعودية المتقدمة و القادرة يجعل الأمر ممكناً حتي ولو من جانب تعطيل الأفكار التي تحملها القوي الكبري التي تقود حرب السودان بوكلائها الإقليميين بهدف تقسيمه و اقتسامه من ثم اقتسام ثرواته وموارده ..
وأي فعل يمكن أن يكون ترمب قد بدأ به كما قال ( قبل نصف ساعة من حديثه امام الأمير السعودي ) دون أن يكون ذا أثر وتأثير مباشر علي هذه القوي الاستعمارية الجديدة والتي علي رأسها بريطانيا الدولة المعتمدة دوماً علي موارد غيرها من مستعمراتها القديمة والجديدة فإن هذا فعل لن ينتج شئ وليس بريطانيا وحدها و هو يعلم ( ولكنه يرقص علي المسرح ) ..
.. السودان الآن أيها السادة يواجه حرب استعمارية حقيقية ليست أمريكا بعيدة عنها بفقه النفوذ و الثروات بل قريبة للغاية وأقرب من ما يمكن أن يتصوره أياً منا ولكن ( ترمب يرقص علي المسرح ) .. لذا فإن التعامل مع ظاهرة ترمب هذه يجب أن يكون بالكثير من الحكمة التي توجب التفاعل معها بترحيب كبير كما و خرج ذلك بالفعل من القيادات العسكرية و السياسية في الحكومة السودانية ولكن يجب دفع الأمر من جانب تحالفي آخر تدخل فيه العناصر التي تمثل لنا ظهراً حقيقياً لن ينسحب يوماً ويتركنا نسقط وهذا يعني المضي بقوة و عزيمة في التفاهمات مع الجانب الروسي علي كافة المسارات العسكرية والأمنية واللوجستية مع فتح العلاقات الاقتصادية مع الصين علي مصراعيها بجانب المضي في تحالفات وشراكات و اتفاقيات دفاع مشترك مع مصر وتركيا و حتي السعودية بأميرها المجتهد بإخلاص في شأن السودان علي نحو يشكر له و يقدر له لوعيه و ادراكه حجم السودان وتأثيره التاريخي والجغرافي بل وصلته الحميمية بالمملكة السعودية تاريخياً و مجتمعياً و ثقافياً وعقدياً .. هذه الكتلة العربية – الإسلامية هي الأهم بالنسبة لنا بمثلما كانت ذات أهمية لغزة عند توقيع اتفاق شرم الشيخ بمصر لأن هذه هي الكتلة التي يربطنا معها مصيراً واحداً وهي الأكثر قلقاً بما يحدث في السودان وهي قلقة في هذا حتي علي أوضاعها الداخلية ولا تحتاج مصر ليتم شرح موقفها من الأمر وقد حزمت امرها مع السودان منذ اليوم الأول و السعودية نفسها تخشي علي امنها علي البحر الأحمر وتعلم ويعلم الأمير ما يدور في جهر وسر الإمارات وأميرها .. و تركيا في ذات الاتجاه تمضي مع السودان وقد اعلن رئيسها بالأمس ان أمن بلاده من أمن سوريا والسودان وليبيا .. اوردوغان يفهم دوره ودور بلاده بل ومستقبلها الذي رسمه ويسعي لتنفيذه مع شركائه في الحكم وفي الفكر والتدبير .. هذه الكتلة الآن هي التي تسعي لدفع ترمب دفعاً لقبول الدور في السودان و من ثم تحجيم وانهاء دور الإقليميين وإبطال او علي اقل تقدير ابطاء سعي الدوليين لتقسيم السودان حتي وان كان ترمب وبلاده طرفاً مع هؤلاء الساعين لتقسيم السودان ونهب ثرواته فالمقابل الجاهز هنا أكبر والمعروض لا يمكن لترمب تجاوزه كما لا يمكن لأمريكا الواعية الاستمرار في خسارة حلفاء المنطقة الكبار وعلي رأسهم مصر والسعودية وكلتاهما الآن باتتا علي تفاهم كبير وكبير جداً مع الروس والصينيين وليس هنالك اي وعد منهما او من السعودية خاصة لإبطاء هذا التسارع في العلاقات مع روسيا و الصين حتي ولو صدق لها ترمب ب F35 .. فالسعوديون فهموا الأمر فنضجوا في التعامل معه بحرفية جيدة بمثل ما فعلت مصر التي سبقتهم في هذا ..
..،هذا كله أمر جيد ولكن وفي ذات الوقت فإن الأهم والأمر الذي يمثل بأهميته القصوي والحتمية أولاً وثانياً وثالثاً وأخيراً للسودان هو المضي قدماً في تأمين البلاد وزيادة قدراتها العسكرية و الأمنية بحيث يكون الميدان رهاناً لا يسقط أبداً حتي ولو استطاع ترمب إنهاء الحرب اليوم و ليس غداً ..
.. إذاً فلنرحب بترمب حتي وإن رقص علي المسرح ..