
صرخة كردفان: “بارا” تُدمي الضمير العالمي، تستوجب التعبئة الشاملة
شئ للوطن
م.صلاح غريبة
Ghariba2013@gmail.com
تشهد ولايات كردفان، وخاصة مدينة “بارا” الباسلة، فصولاً جديدة ومؤلمة من الجرائم الوحشية التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع المتمردة. إن المحتوى الإعلامي الصادر عن “تحالف كردفان الكبرى” و “تحالف الاتحادات المجتمعية” بولاية شمال كردفان، ليس مجرد بيانات استنكار، بل هو نداء استغاثة وصرخة مدوية تكشف عن عمق المأساة وتفضح المخططات الخبيثة التي تستهدف أمن واستقرار السودان.
في قلب الأحداث المروعة، تأتي أنباء مدينة “بارا”، حيث ارتكبت المليشيا جريمة مروعة تمثلت في قتل ٤٧ من المدنيين العُزّل، مستغلةً إعادة التموضع التكتيكي للقوات المسلحة. هذه الجريمة، التي وصفها “تحالف كردفان الكبرى” بأنها ترقى إلى مستوى “الإبادة الجماعية”، تضاف إلى سجل المليشيا الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، من تصفية الشباب وتشريد النساء والشيوخ والأطفال، إلى انتهاك الأعراض والاعتداء على ممتلكات المواطنين.
إن ما يحدث في بارا والفاشر وأم دم حاج أحمد هو دليل قاطع على أن هذه المليشيا، هي مجرد “مخلب قط” يعمل لصالح دول اقليمية في المنطقة، التي سخّرت المرتزقة من مختلف أنحاء العالم، ودججتهم بأعتى السلاح، لتحقيق مكاسب على الأرض تخدم أجندتها التفاوضية الدنيئة. استخدام المرتزقة الكولومبيين والأوكرانيين وعرب الشتات، يكشف عن بُعد دولي خبيث لهذه الحرب، حيث تحولت أرض السودان إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية على حساب دماء الأبرياء.
أمام هذا التصعيد الخطير، لم يعد هناك مجال للتردد. الإصرار على تدمير المدن وارتكاب الموبقات يستوجب مقاربة مختلفة من قبل الدولة والمجتمع. دعوات التحالفين لإعلان “الاستنفار والتعبئة العامة” بكافة ولايات كردفان هي دعوة حكيمة وضرورية. إنها إدراك بأن دحر هذا المخطط الإجرامي لا يمكن أن يتم بالجهد الرسمي وحده، بل يتطلب تضافر الجهد الشعبي مع الجهد الرسمي.
“يتوجب على جميع مكوناتنا الاجتماعية شد الحزام في سبيل القيام بهذا الدور المقدس شيباً وشباباً وامرأة ومثقفين ومغتربين وتجار ورجال أعمال…” – (من بيان تحالف كردفان الكبرى)
هذا الاصطفاف الوطني، من خلال دعم القوات المسلحة وإسناد المقاومة الشعبية، هو خط الدفاع الأخير عن الأرض والعرض والهوية السودانية. على الحكومة المركزية والولائية أن تقدم كامل الدعم اللوجستي والمادي لتمكين أهل كردفان من الانخراط الفاعل في الدفاع عن مناطقهم. فما يهون هو كل شيء في سبيل “الوطن وتحرير كامل بلادنا من دنس المليشيا وكلاب دويلة الشر”.
في خضم هذه الكارثة، يجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته. الجرائم المرتكبة في بارا والفاشر هي جرائم حرب واضحة تتنافى مع كل القيم والأعراف الدولية. على الهيئات الأممية والدولية أن تتحرك فوراً لتصنيف مليشيا الدعم السريع ضمن المجموعات المحظورة دولياً، والتحقيق في الانتهاكات المرتكبة ومحاسبة مرتكبيها.
كما يجب على المجتمع الدولي مساءلة الدول التي تقوم بتمويل وتدريب وتسليح المرتزقة، وتبيع ذمم قادة الدول لدعم القتل والتدمير. الصمت الدولي على هذا التدخل السافر هو تواطؤ يطيل أمد الحرب ويزيد من معاناة الشعب السوداني.
إن إرادة الشعب السوداني في مجابهة الأعداء هي الأقوى. رغم التضحيات الجسيمة، يظل الشعب صامداً ومغواراً ومقداماً. تحالفات كردفان أعلنتها صراحة: “سيظل شعبنا ملتحما مع قواته في الخنادق… وسيظل النصر وعد من الجبار لكل صابر وصامد”.
لذلك، يجب على الجميع أن يستجيب للنداء، وأن يعضد هذا الموقف الثابت لدحر المليشيا وتدميرها تدميراً يقطع دابرها. النصر المؤزر لقواتنا المسلحة والقوات المساندة قادم بإذن الله، ولكن ثمنه هو التعبئة الشاملة والاصطفاف التام خلف قضية الوطن المقدسة.
“وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۗ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ” (الروم: ٤-٥)