
بريق أمل
هنادي عوض بشير
في يوم جمعة بعيدًا عن ضجيج أخبار الإعمار في الخرطوم التي دمرتها أيادٍ من الميليشيات، أريد أن أذكّر بأن هناك دمارًا لا يقل شراسته عن دمار الحجر والشارع — دمارٌ يسكن القلب. بينما تتحدث الأخبار عن إزالة الركام وإصلاح خطوط المياه والكهرباء، أكتب عن ركامٍ داخليٍّ أعمق: دمار روحي التي لا تقل فداحةً عما حلّ بالمدينة. كيف لا، وقد فقدتُ ركائز أمني وملاذي — زوجي ووالدَيّ — فأين نعيد بناء ما انهدَم في داخلي؟ نعم أقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لكن الفراق يظل أقسى ما في الحياة؛ قد نترمّم ونقف وندمج أنفسنا مع الأيام، لكن مكانهم يبقى خاليًا لا يسده أحد، ووجع الفراق لا يهدأ ولو ملأوا الأرض مسكنات.
كان العام المنصرم الأقسى في حياتي، العام الذي فقدت فيه أعمدة روحي وسند قلبي.
رحل زوجي، قرة عيني ورفيق دربي، وبعد ثمانية أيام فقط لحقت به أمي الحبيبة، جنتي في الدنيا، ثم بعد أحد عشر شهرًا غاب أبي، نور قلبي وسندي. يشهد الله أنه كان عامًا أثقل من أن يوصف، عامًا امتلأ بالدموع والذكريات والحنين الذي لا يهدأ.
الفقد سلسلة من الغياب، لكنه في داخلي كان سلسلة من الكسور التي لا تلتئم. كيف يمكن للروح أن تحتمل كل هذا؟ كيف تعيش الأيام وقد اقتُطع منها أغلى ما كان؟ لكني أؤمن أن الله لطيف بعباده، وأن ما عنده خير وأبقى.
أرفع يدي دائمًا بالدعاء، وأسأل الله العظيم أن يجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، وأن يربط على قلبي بالصبر والرضا، وأن يجمعني بهم في دار لا فراق فيها أبدًا.
رحلوا عن الدنيا، لكنهم باقون في قلبي، في دعائي، في كل نفس أتنفسه. علّ اللقاء يكون قريبًا في رحاب الله الواسعة، حيث لا وجع ولا دموع، فقط فرحٌ أبدي بجوار الرحمن.