الأعمدةتأملات

عبد الله حمدوك .. تري هل يعود

تأملات
جمال عنقرة

يتداول الناس في الاسافير هذه الأيام خبرا تحت عنوان “مفاجأة من العيار الثقيل” استقبله الناس بين مكذب ومصدق، ذلك أن كثيرا مما ورد فيه بعضه يصعب تصديقه، وبعضه يتعذر علي الناس استيعابه، ولا أود أن أقول أنا مع أي طرف أجد نفسي، لكنني أود أن أنظر إلى الأمر بموضوغية، لا سيما موضوعه المحوري- عودة الدكتور عبد الله حمدوك – لرئاسة الوزارة مرة ثالثة، وكل ما يتعلق بذلك.
ولنبدأ بالمدخل، وهو إسقاط التهم عن السيد حمدوك، وبعض قادة تقدم، ورفع الحظر عنهم، والسماح لهم بتجديد جوازاتهم، تمهيدا للعودة إلى السودان.
رغم أني لست متأكدا من صحة هذه المعلومات، ولكن لو صحت تكون استلهاما للقيم والممارسات السودانية، واحياء للسنةالنبوية، ففي منتصف السبعينات كانت القوي المعارضة لنظام مايو قد استباحت العاصمة السودانية الخرطوم بقوات قادمة من الخارج صبيحة يوم الجمعة الثاني من شهر يوليو عام ١٩٧٦م، وراح ضحية هذه العملية عدد من المجاهدين في صفوف المعارضة المسلحة، ومن القوات المسلحة، واستطاع الجيش السيطرة علي الوضع، وألقت السلطات القبض علي من نجا من المعارضة، وحكمت علي كثيرين منهم بالإعدام، وشمل حكم الإعدام قادة الأحزاب في الخارج، وفي مقدمتهم السيد الإمام الصادق المهدي، والسيد الشريف حسين الهندي، والشيخ إبراهيم السنوسي، وقبل أن تجف الدماء قاد رجل الأعمال الوطني فتح الرحمن البشير مبادرة للصلح بين الحكومة والمعارضة، بدأ الحديث مع الرئيس جعفر نميري في الخرطوم فرحب بالمبادرة، ثم شد الرحال إلى العاصمة البريطانية لندن، والتقي رئيس الجبهة الوطنية السيد الصادق المهدي، فرحب أيضا بالمبادرة، ثم جمع فتح الرحمن البشير بين نميري والصادق علي متن باخرة في البحر الأحمر، وهكذا تحققت المصالحة الوطنية الأشهر في السودان، وتكرر ذات الشئ مرة ثانية عقب اجتياح قوات حركة العدل والمساواة العاصمة الوطنية أم درمان بقيادة البطل الدكتور خليل إبراهيم في شهر مايو عام ٢٠٠٨م، واستشهد في هذه العملية عدد من العسكريين في القوات المسلحة والمقاتلين في الحركة، وتم الحكم علي بعض أعضاء الحركة بالإعدام، وبعد زمن ليس بالكثير التقي قادة الحكومة وقادة الحركة في العاصمة القطرية الدوحة، ووقع الجانبان مذكرة تفاهم، أطلقت الحكومة بموجبها الحركة سراح كل أسري القوات المسلحة، وأسقطت الحكومة العقوبات عن المعتقلين من الحركة، وأطلقت سراحهم تمهيدا لتوقيع اتفاق شامل، حال دونه قصر نظر بعض الذين كان بيدهم الأمر، وهناك قصص وخكاوي عن تعامل الرئيس نميري مع المعارضين، لا يصدقها من لا يعرف السودان والسودانيين، منها أنه أمر بإرسال أسر المعارضين في الخارج علي نفقة الدولة ليلحقوا بآبائهم وازواجهم خشية أن يقعوا في الفتن، ويذكر أنه لما أبلغ مدير جهاز الأمن والمخابرات اللواء عمر محمد الطيب نميري خبر وفاة أشرس المعارضين للنظام الشريف حسين الهندي عام ١٩٨٢م، هب نميري واقفا، وقال “أمانة ما مات راجل” وذلك بعض يسجل من تقاليد وقيم ومماسات أهل السودان في الخلاف والاختلاف السياسي، والمعارضة، والاحتراب، أما في تعاليم وقيم الإسلام والمسلمين، وممارساتهم، فمثاله الأشهر موقف الرسول صلي الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقبله رفضه عرض جبريل عليه السلام أن يطبق الجبلين علي أهل مكة، ويريحه من قريش وظلمهم، فرفض الرسول صلي الله عليه وسلم توقعا أن يخرج الله من أصلابهم من يوحد الله تعالي.
أما زعم البعض أن هذا يتعارض مع ما يقول به قادة الدولة والجيش، ويبايعهم عليه كل الشعب، فمعلوم أن لغة الحرب غير لغة السلام، “خذوهم واقتلوهم” وفي المقابل “اذهبوا فأنتم طلقاء” أما القول بأنهم قد وقعوا في كبائر باشعالهم نار الحرب، نتفق معهم أن ذلك فعل شنيع، وجرم عظيم، وسلوك قبيح، ما كان ينبغي لهم أن يقعوا في براثنها، ولكنها فتنة أصابت قبلهم من هم أفضل منهم، ولو أشرنا إلى الأعمال المعارضة المسلحة غزو واستعانة بالخارج، والتي مارسها ساسة سياسيون سودانيون عظماء، فمعلوم أن أصحاب رسول الله كانوا قد وقعوا في براثن ذات الفتنة، ودونكم موقعة الجمل التي كان في طرفيها حبيب رسول الله صلي الله عليه وسلم وابن عمه، وصهره، وخليفته الرابع الذي لم يسجد لصنم قط في حياته علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وزوجة النبي صلي الله عليه، وكريمة رفيقه وخليفته الأول أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن والدها.
ثم نذهب إلى مربط الفرس، هل يصلح الدكتور عبد الله حمدوك لقيادة الحكم في السودان، وهل يمكنه تحقيق الحلم الذي كان يبشر به “نعبر وننتصر” فبصرف النظر عن حالة البغض التي استحكمت في قلوب أكثر أهل السودان تجاه الرجل، نتيجة لمواقفه المخزية، فليس هذا مجال للحب والبغض، أنما يأسي علي الحب النساء، ولكن التجربة أثبتت أن حمدك لا علاقة له بالحكم، ولا يمتلك مقوماته، ولا يصلح له أبدا، وأهل السودان يقولون في مثلهم الشعبي أن من أهم مقومات الحاكم، “ضهر وقهر، وعين تتحمل السهر” وحمدوك لم يكرمه الله بواحدة من تلك، ومعلوم أنه طوال فترة حكمه لم يغبر رجله بتراب مسقط رأسه، رغم أنه كان قد صار منها علي مرمي حجر، وتلك خكاية لا أود أن أخوض فيها، ولكنها تسقط عنه أهم أهلية مجتمعية للحكم في السودان،
وحمدوك ثبت أنه رجل لا يمتلك قراره، وكل من تجمعه معه شراكة تكون يده فوق يده، ومثل هذا لأهل السودان له وصف، ليس مهما ذكره، ولكنه يسقط عن صاحبه أهلية تقدم الرجال، وكثيرون يعرفون كيف وافق حمدوك علي تولي حقيبة وزارة مالية الإنقاذ، وكيف ‘زاغ” منها في “اللفة” ومثل هذا لا يصلح أن يكون حاكما لشعب السودان،
وبسبب تجربة حمدوك المريرة تشكلت قناعة لدي كثيرين من أهل السودان،وأنا أولهم، أن من يحكم السودان، لا بد أن يكون من عمق هذا الشعب، له ضهر، ووجهه قهر، وعينه تحتمل السهر، لعب عسكر وحرامية، وسب التحية، وشليل وين راح، أكله التمساح، وزرع، وتيرب، وشقق، وكتل، وسرب سربة خلي الديار غربه، وشق العتمة نص الليل، وطنبر، ودوبا، ولعب الدافوري مع الصبيان، وهو لب لب، كم في الخط، ولذلك نرفض ويرفض كل الشعب السوداني عودة حمدك، إلا مواطنا مثل سائر عوام أهل السودان بعد أن يسقط عنه السيد الرئيس كل التهم الموجهة ضده مع زملائه المعارضين للمشاركة في حوار سوداني سوداني داخل أرض الوطن، يطلق مبادرته السيد البرهان، ويتبناه، ويرعاه، ويكون شاملا لكل أهل السودان لا يستثني أحدا، ويجلس في صفه الأول القحاتة والكيزان، والتقدميون، والرحعيون، وكل اليسار، والقوميون العرب، وكل مكونات المجتمع المدني، والصوفيون، والسلفيون، وأهل الديانات الأخري، المعروفة وغير المعرفة، ولمثل هذه الأسباب رفضنا، ونرفض، ونتصدي لأي محاولة لجلب رئيس وزراء من سودانيي الخارج أصحاب الجوازات الأجنبية، والزوجات المسيطرات، ولمثل هذا الأسباب قدمنا، ومعنا قطاع واسع من أهل السودان، قدمنا الشفت، الحدق، المقددها ولد البلد الأصيل الختمي الراعي الأستاذ الموسيقار الرياضي الباحث، المثقف، ملك العظيم الفريق مالك عقار رئيسا لمجلس وزراء حكومة مرحلة التأسيس.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى