
قراءة في نتيجة القبول للجامعات.(2 من 2)..
قبل المغيب
عبدالملك النعيم احمد
فى سنوات ماقبل الحرب كان يجلس لامتحان الشهادة الثانوية ما بين 455 ألف إلي 470 ألف طالب وطالبة…وتستوعب الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخري بكل انواعها عام وخاص..اكاديمي وفني وتقني…بكالاريوس ودبلوم أوسط ما يقارب الثلاث 300 ألف…ويقل الفاقد التربوي كثيرا بعد أن يتجه البعض للدراسة بالخارج او للمنح او الذين يعيدون العام للحصول علي فرص افضل في الجامعات السودانية…
تأتي المقارنة الآن بأعداد الطلاب الذين جلسوا للامتحانات لدفعة 2023م والذين هم موضوع حديث اليوم…حيث لم يزد عدد الجالسين عن ال200 ألف داخل وخارج السودان…ونجح منهم حوالي ال 150ألف بنسب مختلفة…والذين تأهلوا للجامعات منهم حوالي 88 ألف طالبا وطالبة مقابل أكثر من 250 الف فرصة ومقعد بالجامعات السودانية…فمن أين للجامعات أن تجد هذا العدد لملء مقاعدها واستيفاء شروط ومعايير العملية التعليمية ونسبة أستاذ واحد لكل خمسة عشر طالبا وفق المعايير العالمية فضلا عن توفير المال اللازم من الرسوم الدراسية خاصة للجامعات الخاصة التي تعتمد علي الرسوم لتسيير العملية التدريسية؟؟ وحتي الجامعات الحكومية التي يتناقص الدعم الحكومي لها سنويا درجت علي إكمال نقص التمويل من رسوم القبول علي النفقة الخاصة وهذا امر يجب ألا يفوت علي حكومة الأمل وهي تراقب وترصد نتائج القبول للجامعات واعداد الطلاب الراغبين للألتحاق بالجامعات السودانية…
من أولي ملاحظات نتائج القبول للجامعات السودانية هذا العام هو إحتفاظ جامعة الخرطوم بوصفها أولي الجامعات السودانية بمكانتها العلمية وسمعتها الأكاديمية رغم الظروف والإقبال الكبير للطلاب علي كلياتها المختلفة بل الحصول علي العدد المخطط له من داخل الجامعة والإحتفاظ بنسبة الدخول المطلوبة لكل كلية وجاءت نسبة القبول لكلية الطب 94.1% ما يؤكد رغبة الطلاب للإلتحاق بها…
من الملاحظات أيضا أن كليات ولايات دارفور وولايتي جنوب وغرب كردفان لم يتم القبول لها بسبب ظروف الحرب وهذا أمر مؤسف ومحزن يتطلب معالجة من الوزارة حتي ولو بتوفير مقار لهذه الجامعات في الولايات الآمنة لأن بها الآن طلاب ينتظرون سير الدراسة والتخرج…
من الملاحظات أيضا وهو أمر مؤسف أن جامعة متخصصة للبنات وصاحبة تاريخ مشرق ومشرف وسمعة أكاديمية متميزة يتقدم لها 128 طالبة من أصل 1020 مفعدا متاحا الآن…جامعة افريقيا العالمية تقدم لها فقط 700 طالبا وطالبة من جملة 4700 مقعدا متاحا…وبالطبع كانت الجامعة مفتوحة للوافدين من كل الدول الإفريقية لسمعتها داخل القارة وكثير من خريجيها يشغلون الان مناصب متقدمة في دولهم…
لم تكن الجامعات الخاصة ذات السمعة الاكاديمية المتميزة بأفضل حالا من الجامعات الحكومية في اعداد الطلاب المتقدمين لها او الذين قبلوا فيها عدا واحدة او اثنين ربما بسبب إلتزامهم بالتدريس وسير العملية التعليمية خلال سنوات الحرب ومعلوم ان هذه الجامعات الخاصة تعتمد علي رسوم الطلاب بالدرجة الأولي فإذا علمنا أن 40% من الطلاب لم يتقدموا للجامعات السودانية هذا العام بسبب التخوف من عدم الإستقرار وذهبوا يبحثون عن الدراسة بالخارج رغم تكلفتها العالية وصعوبة الحصول علي مقاعد فيها…
بعض الأقسام في الجامعات السودانية لم يتقدم لها إلا عدد قليل جدا من الطلاب..وهذا امر يحتاج لمعالجة..
ختاما ..نقول أن نتيجة القبول لهذا العام تحتاج لقراءة اكثر عمقا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بوصفها مسؤولة عن الجامعات والاعداد المخططة وكيفية ملء الاماكن الشاغرة وموضوع التمويل…ليتنا نسمع منها ما يطمئن..
وزارة التعليم والتربية الوطنية معنية باعداد الطلاب اعدادا جيدا قبل ان تدفع بهم للجامعات وهذا يتطلب الاهتمام بالمعلم اولا وهو راس الرمح وحاله يغني عن سؤاله..ثم بالمناهج ومدي مواكبتها في ظل الذكاء الاصطناعي..ثم البيئة المدرسية وكل ما يرتبط بها والامتحانات وشكلها..
الجامعات عليها ان تولي اهتماما اكبر بالإصلاح الأكاديمي في كل كلياتها..وتتجه لنظام الساعات المعتمدة بدلا عن النظام السنوي او الفصلي وتقليل سنوات الدراسة مع استيفاء شروط الحصول علي المؤهل..الاهتمام بالتدريب العملي والحقلي والميداني لكل الكليات التي تتطلب ذلك..واخيرا النظر في تعدد وازدواجية الكليات التي تدرس نفس المقرر او التخصص..ودمجها والتنسيق بينها ترشيدا للموارد وضمانا لجودة المخرجات من الطلاب…
دروس كثيرة يمكن ان يستفاد منها من نتيجة القبول للجامعات السودانية بسبب ظروف الحرب التي فرضت واقعا جديدا لا يمكن تجاهله بل يجب الاستفادة منه…