قراءة متأنية على مداخلة الأستاذ عمر المهدي الشريف الهندي
بقلم :د.عبدالمطلب عثمان موسى
تأتي مداخلة الأستاذ عمر المهدي الشريف الهندي في سياق وطني ملتهب، لتعيد ربط الحاضر بالماضي بأسلوب تأملي ناضج، يُعيد الاعتبار لوظيفة التاريخ كمرآة ومرشد في لحظات التحول الكبرى. وفي ذلك، فإن الإشادة بمنهج “الفلاش باك التاريخي” الذي اعتمد عليه الدكتور عبدالمطلب موسى، عبر سلسلة الكبسولات المعرفية المختصرة، تعبّر عن وعيٍ حاد بحوجة الوجدان السوداني، وخصوصًا في الجزيرة، إلى سرديات جامعة تحفّز التأمل والفعل لا اجترار الذكريات.
لفت عمر الشريف إلى أن نهج الكبسولة لا يُفرّغ التاريخ من مضمونه، بل يحفّز المتلقي على البحث والتوسّع، وهو ما يُضفي على الطرح طابعًا تربويًا وتفاعليًا، يخرج به من نمط التلقين إلى فضاء الاستعادة الواعية. وهذا في حد ذاته تبنٍّ لمدخل تربوي معرفي يستند إلى ما يمكن تسميته بـ”التأريخ المُحفّز على التملك المعرفي الذاتي”، لا مجرد التلقي السلبي.
أما استدعاؤه لمؤتمر الخريجين باعتباره “سيمفونية وطنية” خالية من الادعاء الإثني أو الجهوي، فهو في غاية الأهمية، إذ يُعيد تعريف العمل الوطني كمجال مشترك يتجاوز العصبيات الضيقة، ويُكرّس قيم “الكل من أجل الكل”، وهي ذات الروح التي يحاول أن يستعيدها مؤتمر الجزيرة المعاصر.
الجزيرة، كما وصفها عمر، ليست فقط جغرافيا مأهولة، بل ذاكرة نضالية جامعة، تشكّلت فيها اللبنات الأولى للدولة الوطنية السودانية. وبالتالي، فإن تساؤله الجوهري: “هل نحن قادرون على حمل هذه الأمانة من جديد؟” ليس فقط سؤالًا أخلاقيًا، بل سؤالًا سياسيًا في جوهره، يتطلب من المؤتمر المعاصر أن يكون أداة لإعادة ترتيب المشهد الوطني لا الانكفاء على الخصوصية الجهوية.
إن الربط بين ما فعلته نخبة الخريجين في سياق الاحتلال، وما يُفترض أن تفعله نخبة الجزيرة في سياق ما بعد الحرب، يضع على عاتق المؤتمر الجديد مسؤولية التفكير في “هندسة السودان القادم” بروح شبيهة، لكن بأدوات ومفاهيم أكثر وعيًا وتركيبًا.
وعليه، فإن مداخلة الأستاذ عمر المهدي الشريف الهندي ليست مجرد تعليق، بل رؤية مكثفة تضع المؤتمر أمام لحظة اختبار تاريخي: إما أن يكون مشروعًا وطنيًا يعيد بناء السودان، أو يتحوّل إلى محطة عابرة في مشهد الارتباك السياسي، الذي يحاول أن يختزل الأزمة في المركز وحده، دون وعي بدور الأطراف في إعادة التأسيس.