
قمة كينشاسا ونظرة على إستقرار إفريقيا وسلام الكونغو الديمقراطية
بقلم :سعد محمد عبد الله
تحدّثتُ في يونيو الماضي لإذاعة سبوتنيك الروسية حول القضايا الأفريقية، واليوم تنعقد قمة مهمّة في كينشاسا، حيث نتابع الدورين القطري والأمريكي في معالجة الأزمة المشتعلة بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتم إبرام إتفاقية سلام علي الرغم من كل ما تحمله من تشابكاتٍ داخلية وتعقيداتٍ إقليمية، إضافةً إلى التوتر الملحوظ في العلاقات مع دولة رواندا.
كنتُ وما زلت أؤمن بأنّ حلّ الأزمات الإفريقية المعقدة والممتدة على امتداد القارة؛ بما في ذلك الأزمات السياسية والإقتصادية والأمنية الشائكة هو الطريق الأسلم للجميع، وأن تحقيق السلام والعدالة والوحدة علي أساس التنوع للشعوب في السودان والكونغو الديمقراطية وغيرها يجب أن يكون خيارًا إستراتيجيًا لا حياد عنه، إذا ما أردنا عبورًا آمِنًا نحو مستقبل مزدهر لقارتنا الإفريقية.
لقد جاء التوقيع اليوم على إتفاقية السلام بين حكومة الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس ليشكّل منعطفًا مهمًا، ليس فقط في سياق الأزمة الداخلية، بل أيضًا في صياغة مرحلة جديدة للدولة وشعبها المعطاء، ومعالجة التوتر مع دولة رواندا، وذلك تأكيدًا علي الأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي في بناء العلاقات الدولية علي أساس التعاون والإحترام المتبادل، وقبل كل شيئ تحويل مسار الصراع من حالة الحرب إلى السلام والإستقرار والتنمية المستدامة.
كما ذكرتُ سابقًا، فإن الإرادة السياسية والرغبة الصادقة في تنفيذ الإلتزامات المتفق عليها هي الركيزة الأساسية لتحقيق النجاح في تطبيق هذه الإتفاقية، ولدينا تجارب مهمة في السودان حول التعامل مع مراحل “التفاوض، والإتفاق والتنفيذ”، وعلي كل حال يجب تحويل الإتفاق إلى منصة للأمل والتفاؤل وأداة للتغيير وإعادة إعمار، وإلى جسر وطني يعزّز التعاون الإقليمي والدولي، ويفتح نافذة مشرعة نحو مستقبلٍ أفضل للجميع.
نحن اليوم أمام مرحلة عنوانها، الحوار من أجل بناء السلام والعدالة والتنمية والمواطنة للجميع، وهي مرحلة تتطلّب الشجاعة والحكمة والإلتزام من جميع الأطراف لصناعة واقعٍ جديد، يليق بشعوب المنطقة التي أنهكتها الحروب، ولتكون بدايةً للتحرر من الفقر والأوبئة وأحزان النزوح واللجؤ، والإنطلاق نحو تأسيس أوطان شعوبها تعيش بحرية وكرامة تحت سيادة سياسية وإقتصادية حقيقية ونهضة شاملة.
لا بد هنا من تقديم التحية لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، الذي إختار أن يقف مع السلام والسيادة معًا، وأكد في أكثر من مناسبة دعم بلاده للسودان وشعبه الجسور من أجل إرساء دعائم السلام والإستقرار ونهضة المنطقة، وتناول مداولات المشاركين في القمة التاسعة لمنطقة البحيرات المنعقدة في كينشاسا مسائل نهضوية لا تخلوا من نضالات التحرر والإعمار، وسبل المضي قدمًا في العمل علي إنهاء الحرب في السودان، وإستعادة الأمن والإستقرار، وبناء شراكات ذكية بين الدولتين.
لم تتوقف كينشاسا يومًا عن دعم جهود إحلال السلام والإستقرار في السودان وتعزيز العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح الشعبين؛ كما تواصل التزامها ببلورة رؤية مشتركة للسلام والوحدة والتنمية، وتعميمها على القارة الأفريقية ومنطقة البحيرات العظمى، وللسودان أدوار تاريخية في دعم السلام والوحدة الافريقية، والنكبة عابرة، وغدا نعود إلي الساحة بقوة إرادتنا وصمودنا، ومن المتوقع أن يسهم هذا العمل الكبير الذي تضطلع به الحكومات في تحقيق الأهداف التي تقود إلي نهضة شاملة لبلدان القارة.