
مجلس الدفن الدولي !!
من أعلي المنصة
ياسر الفادني
من على منصة الوجدان قبل المنصات الرسمية، يعلو الصوت موجوعًا، صارخًا في وجه هذا العالم الذي يدّعي العدالة وهو يدفنها بأيديه، مجلس الأمن الدولي، أو كما يليق أن يُسمّى اليوم مجلس الدفن الدولي، لم يعد ذلك المكان الذي تلجأ إليه الشعوب المقهورة طلبًا للإنصاف، بل أصبح مقبرة تُدفن فيها الحقيقة، وتُغطّى جرائم الطغاة والترسانة بالبيانات الباردة والعبارات الملساء
أمام هذا المجلس، ارتفع صوت مندوب السودان شجاعًا، قويًّا، صادقًا، لكنه كان كمن ينادي في وادٍ أصمّ، خطاب وطنٍ ينزف، حمل في كلماته حرارة الدماء، ووجع الأمهات، وصوت الأرض التي تمزقها الخيانة، لكن المجلس ذلك الكيان الذي يلبس قناع الحياد، كان باردًا كصقيعٍ يهبط على شجر الصنوبر في ليلٍ بلا روح، خرج ببيانٍ باهت، لا حياة فيه، لا دفء، لا ضمير
أيُّ أمنٍ هذا الذي يتحدثون عنه، وقد صار الأمن سلعة تُباع لمن يدفع أكثر؟ الإمارات التي تحاول التجمّل في قاعات المجلس، تذرّ رمادًا في العيون، وهي تغسل وجهها بدماء الأبرياء، تتحدث بثقة من تعوّد أن يُكافأ على الجريمة، وتخفي قذارتها تحت عباءة الوجاهة، لكن الرائحة فاحت، وفضحتها أوجاع الخرطوم وأشلاء دارفور ودموع الجزيرة
مجلس الأمن، منذ أن وُلد، لم يكن يومًا نصيرًا للحق، ولا عونًا للضعفاء، لم يحل نزاعًا، لم يوقف حربًا، لم يُنصف مظلومًا، كل ما تركه خلفه أكوام من الأوراق والقرارات الميتة، وأدراجًا مكتظة بالتقارير الباردة التي تُكتب بلغة الدبلوماسية، وتُخفي تحتها أنين الشعوب المنكوبة
السودان اليوم لا يحتاج إلى بيانات تعزية، ولا إلى شجبٍ منمّق، بل إلى ضميرٍ عالميٍّ حيٍّ يسمع، يرى، ويجرؤ على قول الحقيقة، فالعالم كله يرى، ويسمع، ويوثّق، لا بأقلامنا نحن، ولا بعدسات إعلامنا، بل بعدساتهم هم، وبأصواتهم هم، يصورون الجرائم، ينشرونها، ثم يقفون ببرودٍ خلف المنصة ليقولوا: نحن نتابع بقلق!
ما أبرد هذا القلق! وما أوقح هذا الصمت!
ليعلم هؤلاء أن الحق وإن دُفن، فله ربٌّ لا ينام، وإن سُكِت على الجريمة، فهناك عدالة لا تصدر بقرارات، بل بناموس السماء، الحلم باقٍ، والظلم وإن طال عمره، إلى زوال
تبًّا لكل من يدفن الشر ويبكي عليه،
تبًّا لكل من يقتل الميت، ثم ينوح في جنازته، متباكيًا على العدالة التي دفنها بيديه
وتبًّا لمجلسٍ لم يكن يومًا للأمن، بل صار قبرًا للحق، ومرقدًا للضمير الإنساني
فلتسقط الأقنعة… ولتبقَ الحقيقة، مهما حاولوا دفنها.