مقالات

مرام البشير تكتب: القاسم المشترك معركة العبور وخطاب السوداناستيقظ العالم

 

استيقظ العالم يوم الخميس السادس والعشرون من سبتمبر من العام ٢٠٢٤م على أخبار إنفتاح الجيش السوداني على المدن الكبري في العاصمة الخرطوم فيما يعرف ب “معركة العبور” والتي سرعان ما إنتظمت كل محاور وميادين القتال حيث تم التخطيط والإستعداد الجيد لهذه المعارك منذ وقت طويل لذلك جاء التنفيذ والإخراج على أكمل وجه ، فكان عنصر المفاجأة أهم مايميزها بجانب التموية الذي صاحبها عبر سفر رئيس مجلس السيادة إلى نيويورك وإلقاءه خطاب السودان في الأمم المتحدة فأصبح الحدثين “معارك العبور والخطاب” وجهان لعملة واحدة أعطي كل منها بعداً جوهرياً للآخر ،
فأعطی الخطاب الحق والشرعية الدولية للسودان في إستعادة أمنه واستقراره بعد تمرد مليشيا الدعم السريع علی سيادة الدولة ،

بينما أعطت معارك العبور طابعاً بالغ الأهمية لخطاب السودان وجعلت كل أنظار العالم تلتفت لمتابعته فهو خطاب لم يكتب للسودانيين فقط بل كان تجسيد للرؤى والقضايا الملحة داخلياً وخارجياً ولسان حال الدولة السودانية التي غابت عن منابر العالم ومجالسه رغم حضورها الفعلي لكنها لم تكن بهذه القوة التي تخللت الخطاب فكانت نصوصه قوية شامخة تتحدي كل المؤامرات والدسائس لتتحدث بأسم السودانيين وكل الدول النامية التي ظلت تعاني من إزدواجية المعايير الأممية و الإستهبال السياسي الدولي تجاه قضاياها العادلة.

كما أن التعريف الواضح للحرب في السودان منذ إندلاعها كان أهم ماجاء في الخطاب فوصف رئيس مجلس السيادة أن ماجري هو تمرد صارخ على مؤسسات الدولة وجيشها النظامي بجانب توصيفه الدقيق لمليشيات الدعم السريع بأنها مليشيات إرهابية إرتكبت جرائم حرب وإنتهاكات تقع تحت طائلة القوانين الإنسانية الدولية ، هذه التوصيفات الدقيقة وأن جاءت متأخرة تشير الى أن السودان بدأ يستعيد كينونته الحاكمة عبر عودة أدواره المتكاملة في كافة المجالات لاسيما وأن السودان كان يعيش فراغ حكومي ودستوري وسياسي عميق منذ إعتلاء جوقة الحرية والتغيير السلطة وسعيهم الحثيث لتفتيت مؤسسات الدولة لتأتي الحرب وتكمل سيناريو الإنقضاض على هذه المؤسسات لإضعاف السودان وهياكله الحكومية وقراراته السيادية وسلطاته الدستورية.

إحتوي الخطاب في نهايته على كلمات مهمة نسفت كل الجهود الإسرائيلية التي بذلتها بقوة لإنشاء علاقات مع السودان منذ الثورة في ٢٠١٩م عبر الإمارات وعلاقتها مع المليشيا الإرهابية تارة وعبر إختراقها لقوي الحرية والتغيير التي إستلمت السلطة تارة أخرى، حيث تبني الخطاب الرؤية العربية تجاه القضية الفلسطينية ودعی لإنهاء حالة العدوان الإرهابي الذي تمارسه إسرائيل علی قطاع غزة ،في إشارة واضحة إلى أن السودان نَفد من شَرك التطبيع مع إسرائيل الذي كانت قد نصبته له الإمارات وعملاءها .

هذان الحدثان المهمان “معارك العبور وخطاب السودان ” سيخلدهما التاريخ السوداني في كتبه لأن قيمتهما الحقيقية تكمن في أنهما نتاج تضحيات جِسام تم بَذلها بالروح والدماء والمال والجهد والصبر الطويل والعمل الشاق والدؤوب ومجابهة التحديات لكل أفراد وطاقم الحكومة بصفة خاصة ومن وراءهم الشعب السوداني البطل،
لذلك يجب العمل على إنزال خطاب السودان على أرض الواقع لأن أهميته تكمن في تنفيذ ماتم التصريح به ، فعندما ذكر الفريق البرهان مصطلح “الملكية الوطنية للحلول” والتي فُهمت بأنه رغم “سوق المبادرات” وهو مصطلح أيضا إنفرد به الخطاب إلا أن الحل يجب أن يكون سوداني سوداني في الأساس ، وهي دعوة مبطنة من الحكومة السودانية لرغبتها في كل الحلول السلمية التي تؤدي إلى وقف الحرب ، ويمكننا القول أن الحكومة ترحب بأي مفاوضات جديدة تصاغ وفقاً للمستجدات الميدانية والعسكرية.

ختاماً في إعتقادي أن معارك العبور لم تكن في السودان فقط ولكنها كانت في أضابير الأمم المتحدة ، لأنها كما عَبرت بالجيش والقوات المقاتلة معه من مرحلة الدفاع لمرحلة الهجوم عَبرت كذلك بالسودان من خلال هذا الخطاب التاريخي وكل الفعاليات التي رافقته إلى مراحل جديدة ، مراحل سنشهد فيها إستيقاظ العملاق الأفريقي من سباته الطويل وعودته لموقعه الطبيعي في قيادة الحضارات الإنسانية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى