
تأملات
جمال عنقرة
مناوي .. وتحالف قوي الكرامة
كلما استمع الي القائد مني أركو مناوي رئيس حركة/ جيش تحرير السودان يتحدث أتذكر البروفيسور احمد الطيب زين العابدين، صاحب مصطلح (سودانوي) فالقائد مناوي رجل سودانوي قح، بدون رتوش، يعيش الحياة هكذا بدون تعقيد، ويتحدث بدون تحفظ، ولا يهمه (تلت التلاتة كم) وما شغال بالبناء ولا البناول الطوب، ولذلك ظل الناس يتابعون احاديثه بشغف شديد، وصارت له كمية من العبارات والمصطلحات (ماركات مميزة)
وفي إفطاره الرمضاني الذي اقامه في مقر سكنه في العاصمة الإدارية بورتسودان، ودعا له مجموعة من الصحفيين والإعلاميين كان مناوي هو ذاته مناوي، ولعل وجود الصحفيين والإعلاميين زاد جرعة الصراحة عنده، ولأن الناس كانوا في بيته لم ينس واجب الضيافة في الحديث، فجعل ردوده وتعليقاته عامة دون تخصيص، وطبعا (اللبيب بالإشارة يفهم) والإعلاميون اصحاب ألباب وفهم.
ومن حديثه ذاك استوقفتني دعوته لقوي الكرامة لتكوين كيان واسع يسعهم جميعا، عسكريين ومدنيين، وحركات كفاح مسلح، وهلم جرا، وشبه هذا الكيان بالاتحاد الاشتراكي السوداني الذي أسسه الرئيس الراحل السودانوي الحق المشير جعفر محمد نميري، وكما هو معلوم فإن الاتحاد الاشتراكي كان يضم تحالف قوي الشعب السوداني العاملة الخمسة، وفي مقدمتها الجيش والقوات النظامية الاخري وكان اللواء بابكر عبد الرحيم آخر امين لأمانة القوات النظامية، والاتحاد الاشتراكي فضلا عن كونه كان يضم كل القوي العاملة، كان يتسع لاستيعاب كل مكونات السودان السياسية والاجتماعية والفكرية والقبلية والجهوية وغيرها، فكان فيه اليساريون والقوميون العرب، والإسلاميون، والانصار والختمية، والمتصوفة، والسلفيون، والمريخاب والهلالاب، والقراقير، وهلم جرا، وعيوب الاتحاد الاشتراكي كانت في الممارسة وليس في النظرية.
وتكوين كيان لتحالف قوي الكرامة ضرورة ملحة وعاجلة، فالذين خاضوا معركة الكرامة لدحر التمرد وتطهير البلاد من دنسهم، هم الأقدر علي قيادة مرحلة اعادة تاسيس وبناء الدولة، وقيام هذا التحالف وبصورة عاجلة جدا مهم جدا لقطع الطريق امام سماسرة السياسة، ومعلوم انه عندما اندلعت هذه الحرب اللعينة، انقسم الموالون للقوات المسلحة الي قسمين، قسم حمل السلاح وظل يقاتل جنبا الي جنب مع القوات المسلحة والقوات النظامية الاخري، وقسم آخر ظل عاكفا علي انتاج النظريات التي تؤسّس لحكم يكونون فيه شركاء يزعمون انه المخرج والخلاص، وصدق الملك عقار عندما قال لمجموعة منهم أنكم تبحثون عن حلول لمشاكلكم وليس لحل مشكلات السودان.
ومن الفروق الأساسية بين المقاتلين وبين المنظرين، ان المقاتلين مهمومون بالتحرير والتطهير وغير منشغلين بالحكم، بينما المنظرين يعتقدون ان التحرير والتطهير يتم بمشاركتهم في الحكم.
ان معركة الكرامة شارك فيها كل أهل السودان، ولم يحركهم دافع غير الكرامة، ولكن .. وبصراحة شديدة انه لا توجد قوي منظمة شاركت في معركة الكرامة وحشدت شبابها للدفاع عن الوطن وقدمت في هذا السبيل آلاف الشهداء غير حركات الكفاح المسلح والإسلاميين وبعض المكونات الأهلية التي لا بد ان نذكر منها مجموعات البجا المختلفة، وقبائل البزعة الذين قاد ناظرهم القتال بنفسه، والغريب ان هؤلاء الذين يقاتلون مع الجيش صفا واحدا، ظلوا يتعرضون للطعن بسهام مسمومة من الخلف، وللأسف الشديد هذه السهام يرعاها ويدعمها محسوبون علي الحكومة، ولكن .. ولان هؤلاء لا يقاتلون من اجل حكم او مكاسب دنيا، لم يثنهم التآمر عن الجهاد، ذلك لأنهم يجاهدون في سبيل الله والوطن، ومعلوم ان بعض الإسلاميين خرجوا من السجون وانخرطوا في صفوف الجهاد، وحشدوا شبابهم لذلك، ومعلوم كذلك ان حركات الكفاح المسلح استنفرت عضويتها في اوربا وأمريكا للجهاد ودعم المجاهدين. وليس صحيحا ان هذه الحركات تقاتل من اجل دارفور فقط، فقوات المشتركة شاركوا في معارك جبل موية، وشاركوا في الصياد، وكان لهم دور كبير في تحرير المصفي.
اعتقد ان تكوين تحالف لقوي الكرامة الحقيقية فضلا عن كونه يقطع الطريق امام سماسرة السياسة، فإنه يجمع شمل قوي الكرامة ويوحد صفهم، ويدرأ فتن الخلافات التي تدب في صفوفهم، وهذه الخلافات والاختلافات اكبر مهدد لمسيرة البلاد، وهي موجوودة لا تخفي علي ولذلك دائما ما احذر منها، وكنت قد كتبت مقالا بعنوان (البرهان وصحبه .. لا تنازعوا .. فتفشلوا .. وتذهب ريحكم) واليوم أقول ان قيام تحالف عريض لقوي الكرامة يعصم من ذلك بفضل الله تعالي، وهو تحالف يضم القوات المسلحة والقوات الطامية الأخرى والقوات المشتركة والقوات الخاصة والبزاءون ولجان المقاومة وكل الذين اعلنوا الوقوف مع القوات المسلحة ودعموا بالمال والموقف والكلمة من الأحزاب السياسية والإدارات الأهليّة والطرق الصوفية والجماعات الاسلامية الاخري والهيئات النقابيّة والاتحادات وغيرها من مكونات المجتمع السوداني التي وقفت صفا واحدا مع القوات المسلحة، وليت الرئيس البرهان يقود ذلك بنفسه، ومعه كل اركان حربه وسلمه، وبالله التوفيق والسداد.