
من وحي الإسكندرية
شعر : بدر الدين العتاق
يا جارة النفس بالأشواق تستتر
جدد الذكرى فالأيام تبتدر
مالك والبحر المهيب يرقبنا
بالعشيات وحين الظهر ينبهر
وزار روض النيل حيكم
يا أهيل النيل شوفكم خطر
والنيل حيا الله ذاكره
والنخل باسق طلعه نضر
والشمس تبدو من ملامحها
بين الجريد ثوبكم وطر
والجيب كالبدر في الليل مطلعه
يرنو إليك فالقلب ينفطر
يا اخت البدر المنير متسق
هذاك الثوب من يمنها فتر
والثغر مشتاق ملهم صبب
والعين مرسال دمعها حدر
والجسم يطمع عن مجسد شبم
والنفس تلتاع وشوقها اشر
ما افتر عن زهر محاسنها
ما أورق مبسم من ميسم قدر
فقد اسكرتنا من بشاشتها
تلك التي في خدها أثر
وشاقني من وجدها طربا
يا اهيل الحي مالكم نفر
وخامر النفس من غلوائها دعة
وجادك طرف كحيل له خبر
ومن عشراقها زحت موانعنا
كما زحت الصهباء وعي ومعتكر
ونالك من عليائها شمم
سرها شوق فالبوح فالخفر
وثملنا من طرف كحيل به
سيان نحرها خصرها خصر
بالإسكندرية زاد الشوق مرتهن
وذانك البحر طود به قمر
سليني يا سمراء العين ملتمس
سليني فإنني وامق بهر
كم بالإسكندرية قل موردنا
وعد ما أراه نافق كدر
ذريني يا لذيذ القول منطقها
لأمر بات حتى الفجر ينحسر
وبارق بالشطين بدا عجلا
أوفى العهد ما له مطر
فهمى بالإسكندرية جد مبتسما
كما جد جديد الفجر مزدهر
وجارتي بالطابق العلوي مسكنها
انعم به من رفرف خضر
واقلقني قوم بالسودان حالهم
لا كحالي ولا حياتهم ثم تستقر
فآلمني ذاك المعاش منهم
وما سرني حالي إذ هم بشر
يا غيداء بدر حبا وجارتنا
كيف المعاش لا عيش ولا وتر
والقوم لا ملاذ يكون لهم
ونحن نصبو العيش نصطبر
يا بحر مالك لا تلتئم جرحا
لا در درك لا ماء ولا شجر
وجند ما هنالك جاسوا فما
خلال الديار حرث ولا بشر
تركوا صبيا يافعا غردا
ولا حرائر الشعب مهتوك لها غرر
وابدلوا هويات قومنا شططا
بشتات لا هويات لهم ولا ازر
ونالوا من كريم الشعب ميلتهم
وشالوا من شريف له درر
وقاموا وفي معيتهم كسب
حرام اغنامهم عليهم وزر
فقام جند لنا عرفوا
بالحق بأسهم حرب ولا كدر
يردون كيدهم في نحورهم
كيفما عبثوا بالشعب واحتقروا
فما قامت قياماتهم سلبا
ولا عاشوا فجيش عرمرم صبر
فهموا قوم لا مقام لهم
ولا ساس بالحرب لهم خبر
بضرب يبين اللب حالته
وهن وضرب وهامة بتروا
وقتل مشين بالواديين حتفهم
والدرس قاس وبالخلا فروا
ولهم بغاث الطير ما تركت
لحم على وضم وما ظفروا
ولاذ بدعي اجنبي نفر
خانوا وما خافوا وسرهم جرر
فقل للسامري اليوم ملتجأ
لا مساس فالاهكم ضل ومنكسر
وسامر بالجزيرة كل شغلهم
تنديد وشجب ودين ومحتقر
وجنود شفاشفة بالبين قائدهم
وبالسحل غصب وبالاحرار حَر
الا أيها الدعي مالكم حق
ومالنا حق بجبين الشمس حر
وجند بالحرب ما لانت عزائمهم
قاموا برمي لا ضر ولا ضرر
وكشروا عن انيابهم شررا
كما الأسد في الغابات تزدأر
شثن كفوفهم حمر عيونهم
من لهيب الشمس لونهم سمر
فاركسوا جنودا جنو جنيهم
وجابوا جيوبا حسبهم جبروا
وجاسوا بجيش جاس جثتهم
وجثوا على اركابهم جزر
وجر جرير القوم جارهم
وجرى من بطشهم جيشهم جرروا
وجل جاللهم من جلهم جلل
وجل من دقهم وجل وما نقروا
وجف موردهم وجاف جرفهم
وجيف جيفتهم وما جسروا
وجس جسيس جاس جسهم
كما جس جسيس عسهم شتروا
وجم جميم ما جمهم جمم
وجم جميم جامهم ستروا
فجع جعيع جمعهم جمعوا
فجع من بأسهم بجع وقد دبروا
قم أيها الشعب وانهض تذكرهم
بثورة كبرى فشبابهم طهر
قدموها فدى لوثبة وجبت
بعبقرية فنفوسهم زكية بذر
فأنزل ربنا سلاما عليهم
حقيق نحيا به ونزدهر
يا جارتي والجار ناظر خجل
لمقلتيك سيان نحرك النحر
سحر تستبين به لجج
وما سحر لديك سوى ثغر
شافني من عظيم الخد مهجتها
وشاقني صوب النيل استطر
يا اسكندرية طاب المقام بينكم
وطال شوق لعمرك النظر
كليني ثم سليني ولا حرج
ولا تسليني حين الذكر يدكر
أيا بحر بلغها شذى شوق
يزداد كلما خافق به مطر
وزادني بشرا وما علمت
أن العيون لها بوح ثم تستتر
فيا جارة البدر قبلتها
على الخد من لمسنا أثر
لجين وزار ليس بي ازر
طعم نشتهيه من ثغرها سكر
ذريني يا أملد القد ملمسها
بالشعر اشدو ثم اشتهر
ودعيني دعد منية ثقلت
ولا تدعي شعر ماجد مهر
فذاك العيش الخصيب نرمقه بالبحر فالإسكندرية اليوم تنتظر
وانظريني حال غبت ساعتها
واذكريني حين البدر ينتظر
وانا بدرك الدين حالما شعرت
شعراء قوم شعرهم شعروا