
نحو سودان آمن: حصر السلاح وتقنينه دعامة لإعادة الإعمار والسلام
شئ للوطن
م.صلاح غريبة
Ghariba2013@gmail.com
بعد سنواتٍ من الصراع الذي مزّق أوصال السودان وخلّف وراءه دمارًا هائلاً وشروخًا عميقة في النسيج الاجتماعي، تلوح في الأفق بوادر أملٍ مع الحديث عن انتهاء الحرب وبداية مرحلة إعادة الإعمار. وفي خضم هذه المرحلة المفصلية، تبرز الحاجة الملحّة إلى معالجة واحدة من أخطر التحديات التي تواجه بناء سودان مستقر ومزدهر: انتشار السلاح خارج إطار القوات النظامية. إن حصر السلاح وتقنينه وقصره على المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية ليس مجرد إجراءٍ أمني، بل هو حجر الزاوية الذي يقوم عليه استقرار المجتمع وإعادة بناء الثقة وتمهيد الطريق للتنمية الشاملة.
لا يمكن المبالغة في تقدير الدور المتعاظم الذي يجب أن يضطلع به كل من الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة الحرجة. فالمحتوى الإعلامي الهادف، الذي يتمتع بقدرة فائقة على الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع، يجب أن يركز على توعية المجتمع بمخاطر انتشار السلاح خارج إطار القوات النظامية. يجب أن تُسلّط الضوء على الآثار المدمرة للسلاح العشوائي على الأمن الشخصي والجماعي، وكيف أنه يعيق جهود إعادة الإعمار ويغذي دوامة العنف.
كما يقع على عاتق هذه الجهات مسؤولية رتق النسيج الاجتماعي الممزق. لقد أحدثت الحرب جروحًا غائرةً في نفوس السودانيين، وأدت إلى انقساماتٍ حادة. هنا يأتي دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في بث رسائل التسامح والتعايش السلمي، وتعزيز قيم الوحدة الوطنية، وترميم ما أفسدته سنوات الصراع. من خلال البرامج التوعوية، وورش العمل، والحملات الإعلامية، يمكن بناء جسور من التفاهم والثقة بين مكونات المجتمع المختلفة.
إن الدور المحوري للإدارات الأهلية في عملية الإصلاح المجتمعي الشامل لا يمكن إغفاله. باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوداني، تتمتع الإدارات الأهلية بنفوذٍ كبير وقدرة على الوصول إلى القواعد الشعبية. تقع على عاتق هذه الإدارات مسؤولية كبيرة في قيادة المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى رأب الصدع ونشر ثقافة السلام بين أفراد المجتمع.
يجب أن تضطلع الإدارة الأهلية بدورها في تبصير المجتمع بمخاطر انتشار السلاح خارج إطار القوات النظامية. من خلال المجالس واللقاءات والتجمعات، يمكن للإدارات الأهلية أن تشرح بوضوح كيف أن حصر السلاح يصب في مصلحة الجميع، وكيف أنه يعزز الأمن ويسهم في استقرار المجتمعات المحلية. كما يجب عليها أن تدعو إلى التسامح ونبذ العنف والفرقة، وأن تعمل على معالجة الشروخ والنزاعات التي سببتها الحرب، في إطار جهود الولاية لتعزيز اللحمة الوطنية وبناء مجتمع أكثر تماسكًا.
إن حصر السلاح كمرحلة أولى، والعمل على تقنينه وقصره في إطار القوات النظامية هو خطوة لا بد منها. هذه الخطوة ليست فقط ضرورية لتحقيق الأمن، بل هي أيضًا رسالة واضحة بأن دولة القانون هي السائدة، وأن العنف المسلح خارج إطارها لن يُسمح به. هذا الإجراء سيسهم بشكل كبير في بناء الثقة بين المواطنين والدولة، ويعزز من هيبة المؤسسات الرسمية، ويفتح الباب أمام عودة الحياة الطبيعية وجهود إعادة الإعمار.
في الختام، إن بناء سودانٍ آمن ومستقر يتطلب تضافر جهود الجميع. إن حصر السلاح وتقنينه، إلى جانب الدور الفاعل للإعلام ومنظمات المجتمع المدني والإدارات الأهلية في تعزيز قيم التسامح وترميم النسيج الاجتماعي، هو المسار الوحيد نحو تحقيق السلام الدائم والتنمية المستدامة.