
وزير الدولة بالخارجية تقدم باستقالته..وزارة (القلق).. “صديق” يغادر و”سالم” يقترب..!!
“4” وزراء تناوبوا على الخارجية خلال عامين وأربعة.أشهر
صديق قال إنه يفسح المجال لزميله السفير سالم لتولي مهام الوزارة..
الخارجية السودانية تشهد واحدة من أكثر مراحلها تعقيداً.
الخارجية شهدت فراغا قياديا واضحا انعكس على أدائها الدبلوماسي.
تقرير: محمد جمال قندول
منذ بدء حرب الكرامة قبيل عامين وأربعة أشهر، تناوب على حقيبة الخارجية أربعة وزراء. في حين تتجه الأنظار لاستقبال الوزير الخامس خلال الأيام القليلة القادمة وهو السفير محي الدين سالم.
استقالة
وأعلن وزير الدولة بوزارة الخارجية السفير عمر صديق استقالته من منصبه أمس الأربعاء.
الوسائط تداولت رسالة بعث بها السفير المخضرم لزملائه في السلك الدبلوماسي وتم تداولها
وقال صديق الذي أمضى أكثر من خمسة وأربعين عاماً في العمل الدبلوماسي، إنه يفسح المجال لزميله السفير محيي الدين سالم لتولي مهام الوزارة في هذه المرحلة التي وصفها بـ”الظرف الاستثنائي الدقيق”. حيث أعرب في رسالته عن امتنانه لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان وكافة أعضاء المجلس، إلى جانب مجلس الوزراء السابق، مؤكداً تقديره الخاص لرئيس الوزراء الحالي البروفيسور كامل الطيب إدريس على ضمه إلى حكومة الأمل، كما ثمّن ما وجده من تعاون واحترام متبادل من منسوبي الوزارة خلال مسيرته الطويلة.
وتعهد السفير صديق بمواصلة الدفاع عن قضايا السودان ومصالحه الوطنية العليا “بالفكر والخبرة والقلم”، حتى بعد مغادرته المنصب الرسمي، داعياً الله أن يعم السلام ربوع البلاد ويحفظ الشعب السوداني مما وصفه بـ”كل سوء”.
ويُذكر أن وزارة الخارجية السودانية شهدت خلال العامين والنصف الماضيين تعيين وإقالة أربعة وزراء تعاقبوا على إدارتها، في وقت يواجه فيه السودان تحديات سياسية وأمنية متعاظمة ألقت بظلالها على الأداء الدبلوماسي
ومنذ بدء الحرب تناوب على قيادة الدبلوماسية 4 وزراء أولهم السفير علي الصادق الذي عاصر الفترة الأولى، واستطاع أن يقدم جهودًا كبيرة في سبيل تثبيت أركان الدولة حينها وكشف المؤامرة الكبيرة بحق البلاد المنابر الدولية والإقليمية.
ثم خلفه حسين عوض الذي غادر بعد أشهر وتم تعيين السفير المخضرم على يوسف، حيث شهدت الوزارة في عهده إنجازات ملموسة منها توسيع رقعة المحطات الدبلوماسية، وإعادة تسمية عدد كبير من السفراء لمحطات جديدة، كما أعاد كشف الترقيات الذي توقف لفترة وغادر بعدها ليتم تكليف السفير عمر صديق وزيرًا للخارجية، ثم جاء د. كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء وقام بحل الحكومة وإعادة تشكيلها من جديد وتسمية عمر صديق وزير دولة بالخارجية.
وخلال الأيام الماضية، تم تداول اسم السفير محي الدين سالم ليتقلد مهام الوزير الاتحادي بالخارجية، فيما أكدت مصادر للكرامة عن قرب إعلانه اليوم أو خلال الأيام القليلة القادمة. ويستند سالم على تجربة دبلوماسية كبيرة، حيث يعد من أبرز السفراء بالسلك الدبلوماسي .
إشارات
ويقول الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د. عمار العركي إن وزارة الخارجية السودانية تشهد واحدة من أكثر مراحلها تعقيداً على المستوى الإداري والمهني، إذ عانت خلال الفترة الماضية من فراغ قيادي واضح انعكس بشكل مباشر على أدائها الدبلوماسي.
ويشير محدّثي إلى أن الخارجية تعمل لفترة طويلة دون وزير، حيث تولى وكيل الوزارة مهام الوزير المُكلف، وهو ما أوجد حالة من الارتباك المؤسسي، إذ أن طبيعة الملفات الخارجية لا تحتمل غياب القرار السياسي والمهني في آن واحد.
وتابع : على الرغم من تعيين السفير دكتور علي يوسف وزيراً للخارجية والانجازات والاختراقات التي أنجزها خلال فترة وجيزة لم تتجاوز الخمسة أشهر، تم استبداله بالسفير عمر صديق، الذي لم يكمل بدوره أربعة أشهر في منصبه وسط توقعات بإعلان السفير محيي الدين سالم وزيرًا خلال الأيام القليلة.
وبحسب العركي فإن التغييرات المتسارعة أرسلت إشارات سلبية إلى الداخل والخارج، حيث بدت الوزارة وكأنها ساحة لتجريب الأشخاص بدلاً من تمكين مؤسسية القرار الدبلوماسي.
ويشير محدثي إلى أن عدم الاستقرار الإداري بهذا الشكل أضعف مهنية العمل الخارجي، وأفقد الوزارة القدرة على وضع رؤية استراتيجية متماسكة أو الدفاع بصلابة عن الموقف السوداني في الملفات الحساسة. كما أن التغييرات المتلاحقة في القيادة العليا تضعف ثقة الدبلوماسيين أنفسهم وتشتت الخطاب الخارجي أمام الشركاء الإقليميين والدوليين.
وعطفا على ما ذكره أعلاه، فإن جوهر أزمة وزارة الخارجية وفق د. عمار لا يكمن في شغور المنصب الوزاري أو سرعة تغييره فحسب، بل في غياب الاستقرار المؤسسي الذي يُفترض أن يكون صمام أمان لأي جهاز دبلوماسي. فالدبلوماسية لا تُدار بالقرارات اللحظية أو التجريب المستمر للأشخاص، بل تحتاج إلى خط استراتيجي ممتد يضمن تراكم الخبرات ووضوح الرؤية أمام الداخل والخارج. إن التغييرات المتلاحقة في قيادة الوزارة أفرزت تداعيات خطيرة، منها انهيار استمرارية السياسات ومنع بناء سياسة خارجية متماسكة، وإضعاف الجبهة التفاوضية في مواجهة الملفات الحساسة كالعلاقات مع الجوار والأمن المائي والضغوط الدولية، إضافة إلى تآكل المهنية الداخلية للدبلوماسيين العاملين في ظل ارتباك القيادة، وفقدان الثقة الدولية في قدرة السودان على الوفاء بالتزاماته وتنفيذ اتفاقاته.
ويرى الخبير والمحلل السياسي د. عمار أن المطلوب هو إرساء آلية واضحة تضمن استقرار القيادة، مؤسسية القرار، وشفافية إدارة الملفات. فقط حينها يمكن لوزارة الخارجية أن تستعيد دورها الطبيعي كواجهة الدولة السودانية في الخارج، وقاطرة لصياغة صورة جديدة تعكس المصالح العليا للبلاد.