
أبيي… الملف الذي انفجر بالصمت
منبر الكلمة
جلال الجاك أدول
المقال الذي كتبته بالأمس بعنوان “أين يقف منان من أبيي؟” لم يمر مرور الكرام، فخلال ساعات انهالت عليّ رسائل واتصالات من المهتمين بملف أبيي، و أبناء المنطقة في الداخل والمهجر، وكلها تحمل مطلبًا واحدًا تحريك ملف أبيي فورًا ورفض استمرار حبسه داخل أدراج مكاتب الإشرافية في ديم مدينة، وكأن الملف خُلق ليُجمّد لا ليُحل.
وفي خضم هذا التفاعل الشعبي، برزت حقيقة لا يمكن تجاوزها، أن إدارة ملف أبيي منذ توقيع اتفاقية 20 يونيو 2011م لم تكن إدارة قومية بالمعنى الذي يليق بمنطقة تحمل كل هذا التعقيد التاريخي والسياسي. فمنذ 13 عامًا كاملة، تعاقب على الملف خمسة مسؤولين جميعهم من مكون المسيرية، باستثناء اللواء عزالدين الشيخ الذي كان صوتًا قوميًا نادرًا، لكن وجوده انتهى باعتصام أمام الإشرافية ، ليُستبدل باللواء محمد علي كوكو الذي أصبح اليوم جزءًا من التمرد.
هذا المسار المختل يفرض سؤالًا مباشرًا كيف يُدار ملف قومي بمكون واحد؟ وكيف يمكن لقرار بهذه الحساسية أن يُختزل في رؤية طرف واحد بينما بقية الأطراف وخاصة أصحاب الحق التاريخي في المنطقة يُتركون خارج دائرة التأثير؟
إن هذا النهج لا ينتج حلولًا، بل ينتج انقسامًا اجتماعيًا قابلاً للانفجار في أي لحظة.
تزامن المقال مع اجتماع مهم لقطاعات مجتمع أبيي في ولاية الخرطوم، خرج فيه المجتمع برؤية واضحة رُفعت إلى رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، تتضمن رفض ترحيل أي مواطن من دينكا أبيي إلى جنوب السودان، والمطالبة بتعميم الرقم الوطني في كل ولايات السودان، ورفض تدخل اللجنة الإشرافية المشتركة في شؤون مجتمع دينكا أبيي باعتبارها لجنة فنية وليست جهة وصاية.
هذه المواقف ليست بيانات سياسية، بل صرخة مجتمع شعر لسنوات طويلة بأنه مُهمل، وبأن حقوقه الأساسية تُدار وفق حسابات لا علاقة لها بالعدالة ولا بالاستقرار.
وحين يتجه المجتمع اليوم إلى مخاطبة رأس الدولة مباشرة، فهذا يعني أن الثقة في آليات الإدارة الحالية قد وصلت إلى حدها الأدنى، وأن ملف أبيي خرج من مرحلة الانتظار إلى مرحلة البحث عن حسم سياسي حقيقي.
إن القناعة التي تتشكل الآن لدى غالبية أبناء المنطقة هي أن ملف أبيي يجب أن يُدار قوميًا، بعدالة، وبمشاركة كل المكونات دون إقصاء. وأن استمرار التعامل معه بالمنهج القديم لن يؤدي إلا إلى المزيد من التوترات وفتح باب الانقسام على مصراعيه.
أبيي اليوم لا تنتظر تقريرًا جديدًا ولا لجنة أخرى، بل قرارًا شجاعًا يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ويمنح أهلها حقوقهم كاملة دون مماطلة.
وإلى أن يحدث ذلك، سيظل السؤال معلقًا في الهواء:
إلى متى يُترك هذا الملف ليشتعل بالصمت؟