مقالات

أحاديث الضراء وصبنة المطر

حكاية من حلتنا
يكتبها: آدم تبن

تعد أيام الخريف هى من أجمل فصول العام عندنا فى السودان ، وفيها يستبشر فيها أهل الزرع والضرع بموسم متواصل الأمطار لأن مازروعه من محاصيل يحتاج الى أمطار جيدة ليصل الى مرحلة نضج ثماره وعندها تنطلق الفرحة الكبرى بحلول (موسم الدرت) الذى تناولته حكاية من حلتنا فى حكاية سابقة ، وكذا أهل الثروة الحيوانية فسعيتهم وكلمة (السعية) بفتح السين وكسر العين يطلقونها على حيواناتهم من الأبل والأبقار و(الماعز) وهى الضأن والغنم فكلها تحتاج كذلك الى الأمطار لزيادة نمو الحشائش والنباتات والأشجار التى تتغذى عليها كما أنها تعتمد عليها فى شرب الماء الذى يتكون فى البرك والتبوب والخيران، فالجميع يحتاجون الى فصل من فصول العام يغير مزاجهم الذى يتكدر خاصة فى فصل الصيف ذو الحرارة المرتفعة التى لايقوى أغلب الناس على مجابهتها والتأقلم معها فعند ظهور تباشير فصل الخريف تتغيير أمزجة الناس ويبدأ المزارعون تحضيراتهم للزراعة فهم أصحاب خبرات وتجارب ممتدة لسنوات طوال .

وخلال شهرئ أغسطس الماضى وسبتمبر الجارى عاش أهل الزرع والضرع خاصة أهل الزراعة المطرية فى بعض ولايات بلادنا أيام صعبة ولزمتهم هموم لم يتوقعوها ، فعندهم أن شهر أغسطس هو شهر تزيد فيه معدلات الأمطار وتستفيد محاصيلهم من هذه الأمطار لأن حاجتها للماء تكون أكثر لدخولها فى مرحلة الإزهار وتكوين البذور ، وهاهى الأمطار تتوقف لفترة إستمرت قرابة الشهر وهى فترة طويلة خاصة لمحاصيل مثل السمسم والفول السودانى فهما لايتحملان العطش مثل بقية المحاصيل الأخرى ، وتزداد تلك الهموم التى لزمت المزارعين بأن فترة توقف الأمطار لم تكن متوقعة وهذا التوقف يسمونه ب(الصبنة) وهى معروفة لديهم خلال فصل الخريف ولاتزيد أيامها عن الأسبوعين ، وهذا العام طالت الصبنة وتأثرت بعض المناطق بالعطش الذى بدوره مأثر على بعض المحاصيل ، لكنه لم يفت من عزيمة وصبر المزارعين لعلمهم أن المطر ينزل بفضل الله ورحمته على عباده كما أنهم قد خبروا مثل تلك الحالات التى ريثما تعدى كسابقاتها ، فلم ينقطعوا عن العمل فى مزارعهم ولم يتوقف الرعاة عن رعئ سعيتهم ، فالأمل عندهم لايخبو بل يزدادوا يقينا وثقة فى الله تعالى الذى يعلم حالهم وحاجتهم الى المطر .

وحكاية من حلتنا رأت ذلك الإصرار العجيب فى وجوه المزارعين والرعاة وهم يتئانسون فى منتدياتهم أو (ضرياتهم)التى يأتوا إليها ليلا بعد طول عناء بالنهار حيث يمضون يومهم وسط تلك الشمس الساطعة التى يسمونها ب(حر الدرت) وهم بين مزارعهم وبلداتهم الصغيرة يتابعون كل صغيرة وكبيرة نظافة ومحاربة للآفات وكذلك الرعاة مع سعيتهم فى مراعيها التى تألفها وتألف عشبها ، فالجميع يتمنى أن تزول هذه (الصبنة) وتمطر السماء ماءا مباركا يسقى الإنسان والزرع والضرع ، فالجميع يتوقع ذلك نزول المطر فى إى وقت ليلا أو نهارا ، صحيح أن هناك من يخف قلبه ويعتريه الخوف من عدم إكتمال الخريف ، لكن سرعان ما يطمأنه البعض أن مثل هذه الصبنه ستزول قريبا وتبقى أحاديث فى (الضراء) وسرعان ما تهطل الأمطار وتعود للزراعة خضرتها المعهودة ويفرح المزارعون بمحاصيلهم التى ينتظرون حصادها بفارق الصبر والرعاة برعيتهم التى تمتلأ لحما وشحما وألبان طازجة بمذاقها الطيب وتزيد قطعانها كمصدر إقتصادى يدر عليهم دخلا يغنيهم من شر السؤال .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى