تأملات

أم صميمة .. معركة قطع اللسان

تأملات
جمال عنقرة

سألني أحد الأصدقاء عن سر وقوفي مع حركات الكفاح المسلح والدفاع عنها في الوقت الذي يهاجمه فيها اكثر الناس ان لم يكن كلهم، فقلت له إني افعل ذلك من منطلق معرفة عامة وخاصة، معرفة باهل دارفور عموماً، وبحركات الكفاح المسلح خصوصا، وبصفة اخص حركتي العدل المساواة التي أسسها الشهيد الدكتور خليل إبراهيم، ويقودها الان شقيقه الدكتور جبريل إبراهيم وحركة/ جيش التحرير التي يقودها القائد مني أركو مناوي، فأهل دارفور أصحاب قضية علي الدوام، وينظرون دائما إلي الامام، ومعلوم ان سلطنة دارفور وقفت بكلياتها مع الثورة المهدية، ولما سقطت دولة المهدية عام ١٨٩٩م عاد السلطان علي دينار الي الفاشر وحافظ علي سلطنته ستة عشر عاما، ولم يتعرض للغزو الخارجي إلا لمواقفه الوطنية والإسلامية المشرفة، فظل يرسل محمله المشهور سنويا الي بيت الله الحرام، ومعه كسوة الكعبة المشرفة، وأنشأ رواقا لطلاب السودان في الأزهر الشريف في العاصمة المصرية القاهرة، ولما قامت الحرب العالمية الاولي عام ١٩١٤م لم يكتف بتأييد السلطنة العثمانية بل ارسل المال والعتاد والرجال للدفاع عن الدولة الاسلامية في تركيا ، وكان هذا هو السبب المباشر لغزو دارفور عام ١٩١٦م.
اذكر في مطلع ثمانينات القرن الماضي كنت قد أسست مكتب المناشط في أمانة الطلاب بالحركة الإسلامية، وفي عام ١٩٨٢م فاز طلاب الاتجاه الإسلامي باتحاد طلاب جامعة جوبا لأول مرة في تاريخ الجامعة، فرتبت معهم لإقامة أسبوع للوحدة الوطنية في جوبا بإسم الاتحاد، وكنت قد قررت مشاركة عدد من القيادات السياسية والإسلامية في ذاك الأسبوع، منهم الدكتور الترابي والدكتور علي الحاج محمد والفريق جوزيف لاقو والسيد جيمس طمبرة والسيد محمد داود الخليفة، والبروفيسور محمد عمر بشير، فاعترضت أجهزة المعلومات في الحركة الإسلامية علي مشاركة الدكتور الترابي، فاستدعاني دكتور الترابي وسألني سؤالاً واحدا، (الطالب الماسك ليك الشغل هناك من وين) فقلت له (من دارفور) فكان رده (اولاد دارفور جادين وبعرفوا الشغل.. واصل شغلك ما تشتغل بيهم، وانا بمشي) فواصلنا الاعداد، وقام الأسبوع، وشارك الدكتور الترابي وكل المجموعة، وكانت تلك أول زيارة لدكتور الترابي الي جنوب السودان، والطالب الدارفوري الدي أشرف علي ذاك العمل العظيم هو حسين أركو مناوي الشقيق الأكبر للقائد مني أركو مناوي، وعلاقتي بهذه الاسرة بدأت منذ ذاك التاريخ قبل اكثر من أربعين عاما، الدكتور خميس استاذ اللغة الفرنسية الذي كان وقتها طالبا في السنة الاولي في كلية الاداب جامعة ام درمان الاسلامية وشقيقتهم الشهيدة نضيفة.
وفي ذات الفترة في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وخلال مسؤوليتي عن مناشط الطلاب الإسلاميين لاحظت انه في حين سقوط قائمة الاتجاه الإسلامي في جامعة الجزيرة كان طالبان إسلاميان من أبناء دارفور يحرزان اعلي أصوات في الجامعة، هما الشهيد خليل ابراهيم وزميله في كلية الطب ابن تلس مالك، فاكتشفت ان طلاب جامعة الجزيرة يصوتون للشخص وليس للقائمة، وكان خليل ومالك هما الأميز بين طلاب الجامعة كلها، وعلي هذا الأساس شكلنا قائمة من الإسلاميين المميزين في أولها الشهيد خليل وفي اخرها مالك، كسرنا بها احتكار الطلاب المستقلين لاتحاد طلاب جامعة الجزيرة وفاز الطلاب الإسلاميون باول اتحاد لهم في جامعة الجزيرة، وتولي خليل رئاسة المجلس ومالك رئاسة الاتحاد.
وحدثنا المجاهد ناجي عبدالله أنهم بعد معركة الميل ٤٠ كانت قوتهم بين شهيد وجريح ومنهك، فذهب هو والشهيد علي علي عبد الفتاح الي جوبا بحثا عن مجموعة تعينهم علي دفن الشهداء وإخلاء الجرحي، ولم يكونا يطمعان في اكثر من عشرين يساعدوهم علي هذا المهمة، فصادف وصولهما جوبا هبوط طائرة قادمة من الفاشر تحمل خمسمائة مجاهد يقودهم وزير الصحة الدكتور خليل إبراهيم، وكانت تلك نقطة التحول في الحرب كلها.
حركات الكفاح المسلح كانت مواقفها مفصلية، ليس في معركة الكرامة فحسب، ولكنها كانت اول واقوي من تصدي لكل المؤامرات ضد السودان بعد ديسمبر ٢٠١٨م، ولم يقف مثل وقفتهم سوي زعيم وقائد الحركة الشعبية الجبهة الثورية الملك الفريق مالك عقار، والزعيم الحسيب النسيب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، ولكم ان تتصوروا لو ان الكتلة الديمقراطية وقفت مع الإطاري، لما احتاجت المجموعة الملعونة لاشعال الحرب، ثم تصوروا لو انه بعد اندلاع الحرب لم تقف حركات الكفاح المسلح مع القوات المسلحة، كيف كان سيكون الحال، كان علي الأقل سقطت دارفور في اليوم الأول، وكان بإمكان الملاعين إعلان حكومة الشياطين، هذا بالطبع غير الدور المحوري الذي قامت فيه القوات المشتركة في كل جبهات القتال. ولكم ايضاً ان تتخيلوا لو
لم تقم قوات جبريل ومناوي بإخراج قيادات الدولة من الخرطوم الي سنار تحت وابل الرصاص، ولو لم ينقل جبريل العاصمة الإدارية الي بورسودان ويرتب لها كل أمور تسييرها.
ومع ذلك ظل البعض يتآمرون علي حركات الكفاح المسلح ويكيدون لهم كيدا، ويقولونهم ما لم ينطقوا به، ويكيلون لهم اتهامات باطلة ليس لها وجود، الي ان جاءت معركة (أم صميمة) التي ابلت فيها القوات المشتركة بلاء حسنا، وقاتلت كتفا بكتف مع اخوانهم في القوات المسلحة وهيئة العمليات وشباب البرائين المجاهدين، وتقدم قائدهم في المحور الجنرال الطاهر عرجة ركب الشهداء فداء للدين والوطن، فقطعت معركة ام صميمة كل ألسن الكذب والبهتان، ومنها ألسن منسوبة للحكومة، او محسوبة عليها، او عاملة لديها بثمن بخس.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى