
إنهم يسرقون البقر…. أليس كذلك؟
شيء للوطن
م. صلاح غريبة
Ghariba2013@gmail.com
لا يبدو السؤال أعلاه استفساراً بقدر ما هو صرخة احتجاج مكتومة خلف علامة استفهام حارقة. حين طالعتُ الأنباء الواردة من ولاية جنوب كردفان، وتحديداً من قرية “النتل” غرب مدينة الدلنج، حول قيام مجموعات تابعة لمليشيا الدعم السريع بنهب مئات الأبقار من المواطنين العزل، لم أجد سوى هذا التساؤل المرّ مدخلاً لفهم ما يحدث.
إنهم يسرقون البقر، نعم.. ولكنهم في الحقيقة يسرقون ما هو أبعد من مجرد رؤوس ماشية؛ إنهم يسرقون “الحياة” في صورتها البدائية والأكثر نبلاً.
في مناطق جبال النوبة، لا يمثل البقر مجرد “سلعة” أو “ثروة حيوانية” بالمعنى الاقتصادي الجاف. إنه الهوية، وهو الأمان الغذائي، وهو التاريخ الممتد، وهو “العمود الفقري” كما وصفه اتحاد جبال النوبة في بيانه الأخير. عندما تقتحم قوة مسلحة قرية “النتل” لتسلب المئات من هذه الأبقار، فهي لا تمارس عملية نهب عابرة، بل تنفذ إستراتيجية “تجويع” ممنهجة وكسر لإرادة إنسان هذه المنطقة.
إن استهداف الموارد الاقتصادية للمواطنين في ريف السودان، وفي جنوب كردفان تحديداً، يكشف عن وجه قبيح لهذه الحرب؛ وجهٌ لا يكتفي بالرصاصة لقتل الإنسان، بل يلاحقه في “لقمة عيشه” ليتركه فريسة للفقر والنزوح والموت البطيء.
ما حدث في “النتل” ليس واقعة معزولة، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تشنها المليشيات على القرى المحيطة بمدينة الدلنج. هذه الجغرافيا المستهدفة ليست صدفة، بل هي محاولة واضحة لضرب الاستقرار الاجتماعي في مناطق الإنتاج.
إن نهب الأبقار هو عملية “إبادة اقتصادية” تستهدف تجريد المواطن من وسيلة صموده الوحيدة أمام أهوال الحرب.
حين يفقد المزارع أو الرعوي في جبال النوبة قطيعه، فإنه يفقد القدرة على تعليم أبنائه، وعلاج مرضاه، وحتى تأمين وجبة يومه. إنها محاولة لتحويل المجتمعات المنتجة إلى مجتمعات متسولة تنتظر الإغاثات، وهو قمة الإذلال الإنساني.
التساؤل المرير: إلى متى؟ ….. “أليس كذلك؟”.. نعم، إنهم يسرقون البقر، ويسرقون معها السلم الاجتماعي الذي صمد لقرون. إن صمت المجتمع الدولي، وحتى قصور التغطية الإعلامية عن مثل هذه الجرائم “المعيشية”، يمنح هؤلاء المسلحين الضوء الأخضر للاستمرار في تجريف قرى السودان من ثرواتها.
إن هذه الانتهاكات التي تستهدف مصادر الرزق هي جرائم حرب مكتملة الأركان، لأنها تستهدف المدنيين في أدق تفاصيل بقائهم. إن اتحاد جبال النوبة حين يدق ناقوس الخطر، فإنه لا يتحدث عن خسارة مالية، بل يتحدث عن “كارثة وجودية” تهدد الآلاف من سكان المنطقة.
إن الأبقار التي سِيقت من قرية “النتل” تحت تهديد السلاح، ستبقى شاهداً على حقبة من الانحدار القيمي حيث تصبح “النهب” عقيدة عسكرية. إنهم يسرقون البقر، ويظنون أنهم يغنمون، لكنهم في الحقيقة يزرعون بذور الغبن في أرض لا تنسى، ويهدمون الجسور التي كان يمكن أن تبني سودان المستقبل.
إن حماية ثروات المواطنين في الدلنج وما حولها ليست مجرد مسؤولية أمنية، بل هي معركة للحفاظ على ما تبقى من إنسانية في هذا الوطن الجريح.
رسالة مفتوحة إلى المنظمات الحقوقية الدولية: “إنهم يسرقون البقر.. ويهدمون الحياة”
إلى: منظمة العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية المعنية بالشأن السوداني.
الموضوع: نداء عاجل لوقف سياسة “الإبادة المعيشية” والنهب الممنهج لثروات المدنيين في جنوب كردفان.
تكتب إليكم هذه الرسالة والقلب يملؤه الأسى على ما آلت إليه أوضاع المدنيين في السودان، وتحديداً في ولاية جنوب كردفان. إننا نضع أمامكم واقعة موثقة ليست مجرد حادثة نهب عابرة، بل هي جريمة مكتملة الأركان تهدف إلى تجويع وتركيع مجتمعات بأكملها.
تفاصيل الانتهاك: قرية “النتل” نموذجاً
أعلن اتحاد جبال النوبة عن قيام مجموعات تابعة لمليشيا الدعم السريع بتنفيذ عملية نهب واسعة استهدفت قرية “النتل”، الواقعة غرب مدينة الدلنج. ولم يكتفِ هؤلاء المسلحون بترويع الآمنين، بل قاموا بنهب مئات الأبقار التي تمثل شريان الحياة الوحيد والمصدر الأساسي لرزق السكان المحليين.
لماذا يجب أن يتحرك العالم؟
إن ما يحدث في محيط مدينة الدلنج ليس مجرد “سرقة” بالمعنى الجنائي الضيق، بل هو استهداف ممنهج للموارد الاقتصادية يندرج تحت بنود جرائم الحرب للأسباب التالية:
تجريف الأمن الغذائي: في مناطق جبال النوبة، تُعد الثروة الحيوانية هي “العمود الفقري” للاقتصاد. نهبها يعني إحكام حصار الجوع على المدنيين وإجبارهم على النزوح القسري.
سلاح التجويع: إن استهداف مصادر الرزق يُستخدم حالياً كأداة من أدوات الحرب لتفكيك البنية الاجتماعية والقبائلية في المنطقة.
انتهاك القانون الدولي الإنساني: تنص الاتفاقيات الدولية على حماية الأعيان المدنية والممتلكات الخاصة التي لا غنى عنها لبقاء السكان على قيد الحياة.
صرخة من “النتل”: أليس كذلك؟
إننا نسأل المجتمع الدولي: أليس من حق هؤلاء المزارعين والرعاة أن يعيشوا بأمان في قراهم؟ أليس نهب مئات الرؤوس من الماشية هو قتل بطيء لآلاف الأسر؟ إن صمت المنظمات الدولية تجاه “جرائم النهب المعيشي” يمنح المعتدين صكاً بالاستمرار في تجريد المواطن السوداني من كرامته ووسائل بقائه.
مطالبنا العاجلة:
بناءً على ما تقدم، فإننا نطالب المنظمات الحقوقية بـ:
الإدانة الفورية: إصدار بيانات واضحة تدين استهداف الثروة الحيوانية والموارد الاقتصادية للمدنيين في جنوب كردفان.
التحقيق والتوثيق: إدراج واقعة قرية “النتل” ضمن التقارير الدورية للانتهاكات في السودان لملاحقة الجناة مستقبلاً.
الضغط الدولي: ممارسة ضغوط حقيقية على قيادة مليشيا الدعم السريع لوقف الاعتداءات على القرى والبلدات الآمنة.
إن الأبقار التي سُرقت في “النتل” هي صرخة استغاثة لكل ضمير حي. إنهم يسرقون البقر.. نعم، ولكنهم يسرقون معها حق الإنسان في الوجود.
تفضلوا بقبول فائق الاحترام،،
Open Letter to International Human Rights Organizations: “They Steal the Cattle… They Destroy Life”
To: Amnesty International, Human Rights Watch, the UN Human Rights Council, and all humanitarian organizations concerned with the Sudanese crisis.
Subject: An Urgent Appeal to Stop the Policy of “Livelihood Eradication” and Systematic Looting of Civilian Assets in South Kordofan.
This letter is written with grave concern regarding the deteriorating situation of civilians in Sudan, specifically in South Kordofan State. We bring to your attention a documented incident that is far from a mere act of theft; it is a full-scale crime aimed at starving and subjugating entire communities.
Incident Details: The Village of “Al-Natal” as a Case Study
The Nuba Mountains Union has reported that groups affiliated with the Rapid Support Forces (RSF) carried out a massive looting operation targeting the village of “Al-Natal,” located west of Dilling. Beyond terrorizing peaceful residents, these armed groups seized hundreds of cattle, which constitute the sole lifeline and primary source of livelihood for the local population.
Why Must the International Community Act?
The events unfolding around the city of Dilling are not just “thefts” in a narrow criminal sense; they represent a systematic targeting of economic resources that falls under the classification of war crimes for the following reasons:
Destruction of Food Security: In the Nuba Mountains, livestock is the “backbone” of the economy. Looting these animals is a deliberate attempt to impose a siege of hunger on civilians and force them into displacement.
Starvation as a Weapon: The targeting of livelihood resources is being utilized as a tool of war to dismantle the social and tribal fabric of the region.
Violation of International Humanitarian Law: International conventions mandate the protection of civilian objects and private property essential to the survival of the civilian population.
A Cry from “Al-Natal”: Is This Not Injustice?
We ask the international community: Do these farmers and herders not have the right to live in peace in their villages? Is the looting of hundreds of heads of cattle not a slow execution of thousands of families? The silence of international organizations regarding “livelihood crimes” grants perpetrators a green light to continue stripping Sudanese citizens of their dignity and means of survival.
Our Urgent Demands:
Based on the aforementioned, we call upon human rights organizations to:
Immediate Condemnation: Issue clear statements condemning the targeting of livestock and economic resources of civilians in South Kordofan.
Investigation and Documentation: Include the “Al-Natal” incident in periodic reports on violations in Sudan to ensure future accountability for the perpetrators.
International Pressure: Exert real pressure on the leadership of the Rapid Support Forces to halt attacks on peaceful villages and towns.
The cattle stolen in “Al-Natal” are a cry for help to every living conscience. They are stealing the cattle, yes—but in doing so, they are stealing a human being’s right to exist.
Sincerely,