الأعمدةمن أعلي المنصة

ابن سلول وأخواته ريا وسكينة!

من أعلى المنصة

ياسر الفادني

من يظن أن قتال أعداء السودان يقتصر على الميادين والخنادق والطيران، فليعد النظر، الحرب التي نعيشها اليوم لها وجوه متعددة هناك من يحمل السلاح في العراء وهناك من يحمل السم على مائدتنا اليومية، العدو لا يقتصر على ذاك الذي يهاجم من بعيد، بل ينتشر بيننا كطفيلي يأكل ويشرب ويمشي معنا، يبتسم في وجهك ويخنقُ وطنك من الخلف

هم يسوقون المرتزقة ويجلبون المعدات، لكنهم لا يكتفون بذلك يستثمرون فينا، يدفعون، يشترون، يزرعون عملاء داخل مؤسساتنا العامة والإعلام والمدن والخدمات، فيقلبون أوطاناً إلى سوق للفساد والخراب، بعضهم واضح نعرفه، نراه، نجد له تفسيراً لكل إساءة، ونغمض العيون وبعضهم أدهى رجل خفي، يختبئ في ثنايا الأجهزة، يضرب لك لكمة لا تراها إلا حين تسقط

هؤلاء من سلالة ابن سلول: يبدون خلاف ما يبطنون، كلامهم جميل، أيديهم نظيفة على العلن، لكن في الصدر سمٌّ يُجهز كل يوم علي الوطن، هناك ريا وسكينة بوجوه نسائية تجملها الطاعة، لكن في ورائها صناعة فساد تُحاك لتجعل من اقتصاد الوطن لعبة وملهاة لمن يدفع أكثر ، وكل ذلك يُرصَد ويدفع ثمنه وطن بأكمله

الميدان الآن لا يحتاج إلى بندقية فقط، يحتاج إلى سلاح حاسم داخل مؤسساتنا ، يحتاج إلى مسيرات يقظة لا تهدأ، إلى لجان تحقيق شفافة، إلى قوانين تطهير تشتغل بلا مداهنة، يحتاج إلى قرار جماعي يكوي السرطان قبل أن يستشري، إن إهمال هذه المعركة الداخلية يعني أننا سنخسر المعركة كلها حتى لو انتصرنا في الساحات، لأن من يسيطر على مفاصل الدولة والاقتصاد والإعلام، هو من يكتب النصر ويقلب الحقائق

نحن من نختار من بيننا من يكون وطنياً ومن يكون تاجراً في سوق الخراب، لا خلاص لنا إن لم نقرر أن نعاقب الخائن كما يعاقب الاحتلالي، لا خلاص إن استمر أصحاب الابتسامات البيضاء في ملاعب السلطة وهم يوشكون على إبادة ما تبقى من مقدراتنا، إن صمتنا عنهم مشاركة في جريمتهم وإن تهاوننا تجاههم توقيع على استسلام لا رجعة عنه

ليس المطلوب عصيان أو فوضى، بل حسم مدني وقانوني: تطبيق نصوص واضحة، رقابة مجتمعية حقيقية، مؤسسات مستقلة تملك الشجاعة والكفاءة، ومحاكمات علنية لكل من ثبتت عليه الخيانة، وإلى جانب ذلك صحافة تقرع ناقوس الخطر بلا خوف، ومنظمات مدنية لا تهادن، الوطن لا يُنصر بصور مزيفة وبخطابات رنانة تنم عن فراغ عملي، الوطن يُنصر بعمل ممنهج، وبأشخاص يضعون مصلحة البلد فوق كل اعتبار

من لنا؟ لنا شبابٌ واعٍ لا يشتريه المال، لنا مواطنون يرفضون أن يُباع ضميرهم، لنا منظمات ومؤسسات إذا ما سُمح لها بالعمل تُنفض الفساد، فليكن القرار جماعياً: لا مكان لابن سلول عندنا، لا مكان لريا ولا لسكينة في مفاصل الدولة، من يسلك طريق الخيانة يُعامل بالحسم القانوني والاجتماعي

وإن كان السؤال يبقى في الهواء: من سيقوم بالدور؟ فالإجابة بسيطة وواضحة: نحن—أبناؤُهُ ممن لم يباعوا، ممن يرفضون أن تُسرق ذاكرة الوطن بصفقة رخيصة
إني من منصتي أنظر …ثم آقول …. :حان وقت تنظيف البيت من الداخل قبل أن يسقط فوق رؤوسنا، حان وقت أن نطلق السراح للوطن من أولئك الذين يتكلمون بلغة الوطنية وهم يختبئون في خندق العدو.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى