مقالات

الأبيض.. قاهرة الإمبراطوريات والمليشيات: صمود أسطوري وتلاحم وطني

شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com

يشهد السودان في الآونة الأخيرة تحديات جسام، وفي خضم هذه الأزمة، تبرز مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، كرمز للصمود والتحدي، ومحور استراتيجي يعكس مدى تلاحم الشعب مع قواته المسلحة. إن الكلمات التي أطلقها والي شمال كردفان، السيد/ عبد الخالق عبد اللطيف وداعة الله، في تنويره الصحفي، ليست مجرد بيانات إخبارية، بل هي تأكيد على عقيدة وطنية متأصلة، تستمد قوتها من تاريخ المدينة العريق.
الأبيض ليست مدينة عادية، بل هي علامة فارقة في التاريخ السوداني. نشير بوضوح إلى مكانتها التاريخية، تذكيرا بمعركة شيكان الشهيرة، التي كانت بمثابة “القشة التي قصمت ظهر الإمبراطورية البريطانية” وأنهت أسطورة “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”. هذا الإرث التاريخي هو ما يغذي روح الصمود الحالية. فكما صمدت المدينة أمام القوة العظمى في الماضي، هي اليوم تقف شامخة في وجه المليشيا، مستمدة العزيمة من كونها “مقبرة هيكس باشا وعسكره”. هذا الإحساس العميق بالتاريخ والوطنية هو السياج الحقيقي الذي يحمي المدينة.
الرسالة الأهم التي يشدد عليها الوالي هي الوحدة الوطنية والتفاف المجتمع المدني حول المؤسسة العسكرية. شعار “جيش واحد.. شعب واحد” يتجسد في أرض الواقع، حيث شكل المجتمع “سياجاً من الوطنية حول الجيش”، مؤمناً بقدرته على استرداد كل شبر من أرض الوطن. هذا التماسك ليس عاطفياً فحسب، بل هو إدراك استراتيجي بأن القوات المسلحة والقوات المساندة هي من “رحم هذا الشعب العظيم”، وأنها “حصينة على الانكسار والتضعضع” أمام مليشيا تفتقد للانضباط والأخلاق السوية.
عبد الخالق: “الأبيض بفضل الله تعالى وجاهزية قواتنا الباسلة في أمن وأمان… سوف نواجه القوة، بالقوة والحكمة.”
هذه المقولة تلخص الاستراتيجية: القوة الرادعة المقرونة بالحكمة في التعامل مع الأوضاع. كما أن وجود “الهجانة ام ريش ساس الجيش” يشكل بحد ذاته “درع حماية”، ليس للولاية فحسب، بل “لكل السودان”.
أحد الأهداف الرئيسية للتنوير الصحفي كان “ردع الشائعات والإعلام الكاذب للملشيا”. فالابيض، والمدن المجاورة كالرهد وامروابة، تواجه “آلة إعلامية” تستهدف بث القلق والخوف والنيل من الروح المعنوية للمواطنين، خاصة عبر الادعاء بقدرتها على النيل من الأبيض أو السيطرة على الطرق الحيوية.
لكن الوالي يؤكد على:
الاستقرار الأمني: طمأنة المواطنين بأن الأوضاع الأمنية مستقرة.
الجهوزية الكاملة: الإعلان عن “الكم الهائل الكبير من القوات والعتاد” والجاهزية لردع أي عدوان داخلياً وخارجياً.
خطة الاستنفار: الدعوة إلى “استنفار بصورة أكبر” عبر المقاومة الشعبية لدعم الجيش ومساعدة المتحركات.
مواجهة التضليل: دعوة المواطنين لعدم الالتفات إلى “الشائعات والأسافير التي تدار من الخارج والداخل”.
ختاماً، يؤكد الوالي على خطة عام 2025م، التي تضع إسناد القوات المسلحة في العمليات العسكرية للقضاء على المليشيا كـ”أول محور”. هذا التوجه يدل على أن الحكومة المحلية لا تكتفي بالدفاع، بل تتطلع إلى الحسم والانتصار.
إن صمود الأبيض، إلى جانب صمود الفاشر التي ظلت “عصية ردحاً من الزمن”، يبعث برسالة واضحة للمليشيا وداعميها الإقليميين والعالميين، مفادها أن: الروح الوطنية لا تنكسر. هو صمود جسّد شعار “يد للبناء والتعليم ويد على الزناد للذود عن كرامة الوطن والمواطن الأبي”، مُذكّراً بقول الشاعر:
“وللأوطان في دم كل حرٍ يدٌ سُلفت ودينٌ مستحقُ”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى