الأعمدةشيئ للوطن

الإرادة الواحدة: مفتاح السودان إلى السلام المستدام والوحدة الراسخة

شيء للوطن
م.صلاح غريبة
Ghariba2013@gmail.com

يقف السودان اليوم أمام منعطف تاريخي فارق، تتضاءل أمامه كل التحديات إذا ما قورنت بضرورة وحدة الإرادة الوطنية. ففي خضم الصراعات والتراكمات السياسية والأمنية والاجتماعية التي ألقت بظلالها الثقيلة على المشهد، يبرز صوت الدولة مطالباً بتوحيد الرؤى وحشد الطاقات نحو أهداف لا تحتمل التأجيل أو الانقسام: السلام المستدام، والوحدة الوطنية الراسخة، وبناء دولة عادلة تتسع للجميع.
لقد أكدت قيادة مجلس السيادة الانتقالي، في خطاب حديث لها خلال ملتقى تفاعلي حول السلام والتعايش السلمي في إحدى الولايات الغربية، على حقيقة جوهرية: السلم الاجتماعي والتعايش هما أساس أي تحول سياسي حقيقي. إن فشل أي مشروع وطني يكمن في غياب مبدأ قبول الآخر واحترام التنوع. فما لم يتم نبذ خطاب الكراهية والجهوية المقيتة، والإيمان بأن الهوية الوطنية الجامعة هي الإطار الوحيد الذي يسع كل المكونات، ستظل مساعي الاستقرار مجرد أوهام.
الرؤية التي تم طرحها تَعِد بالعمل على سياسات تضمن المشاركة العادلة وتمنع الإقصاء، مع التركيز على بناء مؤسسات حديثة تعكس تنوع المجتمع وتستند إلى مبدأ المواطنة المتساوية بلا تمييز. هذا التوجه يمثل النقيض التام للمقاربات التي اعتمدت على هوية أحادية أو إيديولوجية ضيقة. مفهوم الوطنية يجب أن يقوم على وحدة البلاد وحقوق مواطنيها، بعيداً عن أي تقسيمات دينية أو عرقية.
تتجاوز قضية النزوح واللجوء كونها مجرد أزمة إنسانية عارضة، لكونها نتيجة مباشرة لتلك التراكمات السياسية والأمنية المؤلمة. القيادة الحالية تسعى لتحويل هذا الملف الشائك من أزمة ممتدة إلى فرصة لإعادة بناء المجتمعات. هذا التحول يتطلب إعادة النازحين إلى مناطقهم بكرامة، وتوفير الأمن والخدمات الضرورية، ودمجهم بشكل كامل في المسار الوطني، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن السلام الحقيقي يبدأ من أرض المواطن وحياته اليومية.
في عصر التحول الرقمي، لا يمكن إغفال الدور المحوري للإعلام كـ “سلاح متعدد المهام”. وقد شدد الخطاب على ضرورة إطلاق إعلام مسؤول ومهني يعكس صوت الوطن، يعزز ثقافة السلام، ويقاوم حملات التضليل والتحريض، مؤكداً على عدم التسامح مطلقاً مع خطاب الكراهية الذي يهدد السلم الاجتماعي.
كما تم التأكيد على أن العدالة الانتقالية هي الطريق الذي لا بديل عنه للمصالحة الوطنية الحقيقية. الالتزام بمسار عادل وشفاف يحقق المحاسبة، وجبر الضرر، ومعالجة آثار النزاعات، هو الضمانة الوحيدة لعدم تكرار المآسي، ووضع أرضية صلبة لمستقبل أكثر استقراراً.
لم تغفل الرؤية دور الإدارة الأهلية، باعتبارها ركناً أصيلاً وصمام أمان في فض النزاعات. الدعوة هنا هي لتمكين هذه الإدارة ضمن إطار تشريعي حديث، يسمح لها بممارسة دورها المجتمعي والابتعاد عن التسييس أو الأدلجة الحزبية، بما يعزز الاستقرار المحلي وبناء السلام.
إن التحديات التي يواجهها السودان اليوم جسام، لكن الإجابة عليها تكمن في وحدة الإرادة وصفاء الرؤية. الطريق إلى السلام والوحدة يبدأ بتنفيذ السياسات التي تضمن المواطنة المتساوية، وتفتح ملفات النزوح والعدالة الانتقالية بجدية وشفافية. هذا هو الرهان الحقيقي لبناء سودان يسع الجميع، ويحفظ حقوق كل مواطنيه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى