
تأملات
جمال عنقرة
لقد اجتهد سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة لأن يقدم اكثر من رسالة إيجابية لأكثر من جهة داخلية وخارجية في خطابه الأخير امام بعض القوى السياسية الوطنية في العاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان، واجتهدت علي المستوي الشخصي لالتقاط بعض الرسائل الإيجابية في الخطاب حتى ولو أتت ضمناً، وقدمتها بزينتها في مقال الأسبوع الماضي بعنوان (خطاب البرهان .. ثلاث رسائل مهمة) وكان ظني ان يسهم ذلك في إخماد النيران التي أشعلها شرر الخطاب هنا وهنا، ويبدو ان الظرفين الزماني والمكان قد ساهما في زيادة نيران الاشتعال.
الزمان، والحرب تلفظ انفاسها الأخيرة جعل كثيرين ينظرون اليه النظر الي القصة المشهورة (لقد وجدت فاسا .. ولقد وقعنا) واخرون اعتبروه مثل القول (الفول فولي، زرعته وحدي، وحصدته وحدي، وسوف اكله وحدي) وشبه البعض الحال بما وصف به الزعيم المجاهد الراحل المقيم عبد الرسول النور الإمام الصادق المهدي يرحمها الله بعد العودة في (تفلحون) وكان الزعيم عبد الرسول النور قد قال (الامام ابعد أهل المواجهة، وقرب أهل الوجاهة) وكان يقصد باهل المواجهة السيد بكري عديل والأمير نقد الله، والمهندس مادبو، والسيد صلاح إبراهيم احمد، وشخصه، وأهل الوجاهة معروفون وهم الذين أوردوا الحزب الكبير موارد الهلاك.
أما المكان فهو ملتقي ما يسمي بالقوي السياسية الوطنية، وهي قوي نقول مع كامل التقدير والاحترام لم يسجلوا أسماءهم في دفاتر البطولة في معركة الكرامة، ولقد لخص احد الغاضبين ذلك في قوله (آخر الزمن ناس الفنادق ينظرون لمرابطي الخنادق) ومعلوم ان كثيرين من هولاء ظلوا طوال زمن المعركة في فنادق بورسودان، وعندما يغادرونها الي مناطق الرباط فإنهم يفعلون ذلك لالتقاط الصور التذكارية بالزي العسكري النظيف مع المرابطين، واذكر مرة جاء بعض هولاء للقائد عقار ليحدثوه عن مشروع لحل مشكلة السودان، فقال لهم (إنتوا جايين تحلوا مشاكلكم تحت غطاء مشاكل السودان) ويوم امس حدثني مسؤول رفيع وعليم وصريح وواضح قال انته مجموعة تطلب منه دعما لتسيير قافلة لدعم القوات المسلحة، فقال لهم (كيف يعني أدعمكم عشان تدعموا، ما تدعموا من عندكم، وانا درب القوات المسلحة ما بعرفه عشان أوصل دعمي عن طريقكم)
الخطاب الرئاسي في هذا المكان ولهذه المجموعة المرابطة في بورسودان لم يغضب المرابطين في الثغور وحدهم، ولكنه دخل ايضاً علي الماسكين مع البرهان علي جمر القضية، فبدا وكانما مشروع الإعداد لمرحلة التاسيس لسودان الغد يقوده هولاء السياسيون البورتيون، وكثيرون منهم لا خير فيهم ولا كفاية شرهم.
المخرج من هذه الأزمة بيد البرهان وحده لا بيد احد سواه، فهو قائد معركة الكرامة بلا ادني شك، وهو رمزها، وعليه يقع عبء ومسؤولية استكمال المشوار، وأول زاد في هذا المشوار الطويل هو الحفاظ علي الوحدة والتماسك الذي تجلي في معركة الكرامة، وحدة الشعب والجيش المطلقة، ثم وحدة القوي الحية الفاعلة في ميادين القتال، المقاتلون من الجيش في كل الأسلحة والرتب، وكل القوات النظامية الأخرى وقوات حركات الكفاح المسلح والمجاهدين من الإسلاميين والثوريين واليساريين، وغيرهم ممن حملوا السلاح دفاعا عن الأرض والعرض والدين والمال، والعز والكرامة، والاهم في ذلك وحدة القيادة وعلي رأسها السيد البرهان.
خطاب البرهان اليوم في ام درمان اكد علي هذه المعاني، ولكن لا وقت للحديث، لا سيما عندما تكون هناك افعال تناقض الأقوال، فعلي السيد البرهان ان يتحمل مسؤوليته كاملة، وبلغة أهل السودان العامة (يشيل شيلته) ويوقف العبث الذي يمارس باسم العملية السياسية، ويحاصر العابثين، ويتخذ القرارات التي تومن المسار، وكان الفريق أول ركن ياسر العطا قد أشار في حديث مشهور للإعلامية لينا يعقوب في قناة العربية انه قد اقترب اوان تعديل مجلس السيادة وتعيين رئيس مجلس وزراء يشكل حكومة تاسيس من كفاءات وطنية مستقلة، ونقول قد حان اوان ذلك، واهم في حكومة مرحلة التاسيس كما قلنا مرارا وتكرارا، وكما اكد السيد البرهان في خطاب ام درمان اليوم، إنها تقوم علي شركاء معركة الكرامة، ويمثل هولاء رمزية مهمة، وكنت قد كتبت قبل ذلك وفي اكثر من مقال تصورا لأساس هذه الحكومة وفق ما توافق الناس عليه حد الإجماع واستشرت فيه كثيرين ممن يعتد برايهم.
ليس هناك خلاف ولا نزاع ولا حتى وجهة نظر او تحفظ علي قيادة البرهان للبلاد عبر رئاسته لمجلس السيادة، وكنت قد قدمت مقترحا وجد استحساناً كبيرا ان يتولي البرهان رئاسة مجلس السيادة بالزي المدني ويكون معها قائداً اعلي للقوات المسلحة، ويذهب كل أعضاء المجلس الي مهام اخري تناسبهم ويبقي معه فقط رجل الدولة الحكيم الخبير الفريق مالك عقار نائباً لرئيس مجلس السيادة ورئيسا لمجلس الوزراء، ويذهب الفريق أول ركن شمس الدين كباشي وزيرا للدفاع وقائد عام للقوت المسلحة، وياسر العطا رئيساً لهيئة الأركان والفريق مهندس إبراهيم جابر وزيراً للاستثمار والسيد عبد الله يحي يعود الي وزارة الطرق والجسور ، ويذهب السيد رصاص الي موقع يناسبه، ويضاف الي مجلس السيادة ستة مدنيين يمثلون أقاليم السودان الستة القديمة ويشترط ان يكونوا من أبطال معركة الكرامة، الشرق الناظر ترك، الشمال السيد ازهري مبارك، دار فور السلطان سعد بحر الدين، كردفان الناظر اسامة الفكي، الوسط الشيخ التوم هجو، والخرطوم الشيخ عبد الرحيم محمد صالح.
بقية أركان معركة الكرامة يبقون في مواقعهم التي احسنوا فيها وأبلوا بلاء حسنا، وسدوا كل ثغراتها، الدكتور جبريل إبراهيم وزارة المالية والقائد منّي أركو مناوي حاكم دارفور والفريق اول احمد إبراهيم مفضل جهاز الأمن والمخابرات والفريق شرطة خليل باشا سايرين وزارة الداخلية.
النقابات والاتحادات المهنية يفك تجميدها وتتحول مكاتبها التنفيذية الي لجان تسيير الي حين قيام الانتخابات.
الأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح بعد ان يحدث لها الدمج والتسريح وتتحول الي احزاب سياسية تكون الساحة الساسية متاحة لهم جميعا دون عزل او تمييز وفق القانون الذي يسن لذلك، والحشاش يملّا شبكته.