الأعمدةتأملات

البرهان والسيسي .. الطموح أكبر من الإقامة والدراسة

تأملات
جمال عنقرة

لم استغرب للذين وقف سقف طموحاتهم من لقاء الرئيسين السوداني عبد الفتاح البرهان والمصري عبد الفتاح السيسي عند تسهيل إجراءات الدخول والإقامة للسودانيين في مصر، والسماح للمدارس السودانية بمزاولة نشاطها في مصر، وتخفيض الرسوم الدراسية للطلاب السودانيين الذين يتم قبولهم في الجامعات المصرية، فلم استغرب لسقف هذا الطموح المتواضع لأن أكثر الذين يفعلون ذلك لم تتح لهم مثلنا فرصة الحياة في مصر في العصر الزاهي للعلاقات السودانية المصرية في عهد الرئيسين الزعيمين الفخيمين الراحلين المقيمين، صديقي المشير جعفر محمد نميري، وابن خالتنا أم سترين، أو ست البرين كما صار اسمها في مصر، بطل العبور محمد أنور السادات، ولن امل تكرار ما كان عليه حالنا في ذاك العصر الذهبي في سبعينيات القرن الماضي، فبينما لم يكن عدد الطلاب في الجامعات السودانية يتجاوز العشرة الف طالب، كنا في مصر قريبا من ضعف هذا العدد، وبينما كان الطلاب الوافدون من كل الدول العربية يدفعون أربعة الالف من الجنيهات الاسترلينية رسوما دراسية كل عام، كنا نحن السودانيون ومعنا اشقاؤنا الفلسطينيون ندفع خمسة جنيهات مصرية فقط مثلنا مثل الطلاب المصريين، وكان مسموح لنا وحدنا السكن في المدن الجامعية، وندفع مثلما يدفع اشقاؤنا المصريون خمسة جنيهات فقط في الشهر للسكن والاعاشة، وكنا ندخل مصر ونخرج منها ببطاقة وادي النيل، لا جواز سفر ولا تأشيرة ولا إقامة، ولا يحزنون، وكان زملاؤنا من الشمالية جبريل عبد اللطيف ومتوكل وخوجلي وإبراهيم الزين وعماد سنادة مسموح لهم دخول مصر بالبطاقة الشخصية، وهذا حق منحه التكامل إلى مواطني الشمالية واسوان، وكان التحويل يتم عبر ما يسمي وقتها بالدولار الحسابي، وكان سعر الدولار الحسابي في السودان ٥٠ قرشا سودانيا، وفي مصر ٦٩وقرشا مصريا، ولم يكن التحويل وقفا علي المصارف والبنوك فقط، ولكنه كان متاحا في كل مكاتب البريد في السودان، حتى توكيل بريد ناوا والطينة، فهل يعقل لمثلنا أن يقف سقف طموحاتهم من لقاء الرئيسين البرهان والسيسي عند تسهيل إجراءات الدخول والإقامة وفتح المدارس السودانية في مصر، وتخفيض الرسوم الدراسية للطلاب السودانيين الذين يدرسون في مصر.
صحيح أن تلك المطالب مهمة جدا، وعاجلة، وتحتاج إلى قرارات واجبة النفاذ فورا، اليوم قبل الغد، ولكن ذلك كله لا يساوي قطرة في محيط آمالنا وطموحاتنا التي تعاظمت جدا مع ابتلاءات الحرب الملعونة، ومؤامرات الأصدقاء قبل الأعداء، والتي تأكد انها تستهدف مصر مثلما تستهدف السودان، وقد تكون في بعض الأحيان أكبر، مثل اتفاقية عتيبي لإعادة تقسيم مياه النيل.
لم يعد الآن أمام السودانيين والمصريين خيار سوي التلاحم الكامل، الذي يفضي إلى ما يشبه الوحدة، وأكثر ما اسعدني وبشرني في تعيين صديقي العزيز الشريف الدكتور علي يوسف وزيرا للخارجية، أن ذلك يعني خطوة متقدمة في سبيل تعزيز العلاقات السودانية المصرية، وكما هو معلوم فإن الشريف هو رئيس المبادرة الشعبية لتعزيز العلاقات السودانية المصرية، وحسنا بدا نشاطه في مصر بما يعزز هذه العلاقات التي يجب أن تنطلق في كل الاتجاهات، ولو أن مصر استقبلت في الفترة الأخيرة خمسة ملايين من السودانيين، فالولاية الشمالية وحدها قادرة علي استيعاب أضعاف هذا العدد يتداخل مع أهلها وأهل مناطق اخري في السودان، يستثمرون في الزراعة وصناعة منتجاتها، ويتزاوجون ويتصاهرون، ويتمددون.
ما ننتظره الآن من الرئيسين القائدين البرهان والسيسي بعد التوجيه بالحل الفوري لمشكلات السودانيين في مصر، ومشكلات المصريين في السودان لا سيما سائقي الشاحنات الذين تعذبهم إجراءات عقيمة وتعطل نقل احتياجات غذائية ودوائية وغيرها للسودان، فبعد التوجيه لحل كل هذه المشكلات فورا، ننتظر منهما تشكيل لجان عليا قراراتها نافذة لوضع التكامل الكامل موضع التنفيذ، والأول في ذلك أحياء وتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك، وليس ذلك علي الزعيمين بعزيز.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى