
تأملات
جمال عنقرة
تابعت كثيرا مما كتب عن وزارة الخارجية السودانية بعد استقالة وزير الدولة السفير عمر صديق، ثم بعد تعيين السفير محي الدين سالم وزيرا، ورغم تقديري واحترامي لكل ما كتب في هذا الشأن، لكنني اعتقد ان اكثره انصرف عن الأزمة الحقيقية التي وضعت وزارة الخارجية، وكل الوزراء الذين تعاقبوا عليها في الفترة الأخيرة ابتداء من السفير علي الصادق، وحتى السفير عمر صديق، ووضعتهم في مآزق وابتلاءات كثيرة، وكلهم غادروا الموقع ليس بسبب أزمة هم طرف فيها، وإنما بسبب أزمة متجذرة في عمق النظام، اساسها عدم وجود رؤية واضحة لسياسة الدولة الخارجية متوافق عليها من قبل القيادة العليا للدولة، ممثلة في مجلس السيادة، لا سيما المكون العسكري، ومعلوم التعارض الذي ظهر في كثير من المواقف، مثل العلاقة مع اسرائيل، والحوار مع المليشيا والقوي الداعمة لها داخليا، والراعية لها خارجيا، ويزيد الطين بلة ان السياسات المتبعة تختلف في كثير من الأحيان عن المواقف المعلنة، وما يزيد من حرج وازمات وزراء الخارجية، انه في حالة اختلاف سياديين علي موقف، إنهم إذا دعموا طرف من الأطراف المتعارضة، وغلظ عليهم الطرف الثاني، فان الطرف الأول يرجح علاقته مع زميله السيادي مهما كان الخلاف بينهم، ويضحي بالوزير الذي صدقه، ووقف معه، ذلك أنهم يرون ان الوزير يمكن تعويضه غير مأسوف عليه، بينما محاولة التضحية باي زميل سيادي، يمكن ان يدفع ثمنها النظام كله، ومن منطق أنا وابن عمي علي القريب، يعملون بسياسة أنا وزميلي السيادي علي الوزير.
ولهذا اجد نفسي مشفقا كثيرا علي اخي الحبيب السفير محي الدين سالم، وهو في تقديري الوزير الانسب لقيادة الوزارة في هذه المرحلة، والحمد لله ان تعيينه تم الان وليس في ترشيحه الأول عقب قرارات اكتوبر وقبل اندلاع الحرب، لانه كان سيذهب مثلما ذهب سابقوه دون ان يقترفوا جرما، ولكنه لن يكون قادرا علي فعل اي شئ ما لم تتوافق قيادة الدولة السيادية علي سياسة خارجية واضحة، وان تتوافق مواقفهم وأعمالهم وسياساتهم، وان يمتلكوا القدرة علي مواجهة الشعب بما يرونه في صالح الوطن والمواطنين.