مقالات

الدولة العميقة

 

بقلم :د. إبراهيم الأمين

للدولة العميقة مفهوم معقد ومثيرة للجدل في العلاقات السياسية، وهي شبكة غير رسمية من قوى ومؤسسات داخل الدولة تعمل خلف الكواليس حفاظاً على مصالحها ومكتسباتها. وللسودان للأسف نصيب منها ففي مراحل مختلفة كانت هنالك دولة عميقة. علماً بأن أول حكومة وطنية فاز فيها حزب واحد، وفي تلك المرحلة كان أداء الدولة مميزاً انعكس في النجاحات المبهرة في مجالات شتى؛ ففي الزراعة أنجزت الحكومة الوطنية مشروعاً زراعياً أكبر مساحة من مشروع الجزيرة (مشروع المناقل)، وامتدت خطوط السكة الحديد إلى جنوب السودان.

هذه الحالة لم تستمر طويلاً نتيجة للانقسامات التي حدثت في حزبي الاختلاف (الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة)، ومن هنا بدأت الخلافات والصراعات على السلطة لتفرز حالة من عدم الاستقرار صاحبت كل الحكومات اللاحقة بصورة متصاعدة، أدت إلى ضعف الحكومة وإلى خلل واضح في أداء الدولة وفي علاقاتها بمواطنيها وبالخارج.

هنا برزت إلى السطح الدولة العميقة، وإن اختلفت في شكلها والقائمين بأمرها، فالنتيجة واحدة، ضعف وتآكل المكون المدني، وظهور قوى أكثر تأثيراً على قرارات الدولة المفتاحية من الحكومة نفسها. وزاد من حدة الأزمة وخطورتها أن كل محاولات الإصلاح في مختلف الأزمات كانت فاشلة لسبب واحد، هو أن التفاوض بين أطراف النزاع بهدف الوصول إلى معالجة جذرية للأزمة كانت نتائجها لصالح الأطراف الداخلة في النزاعات وعلى حساب قضايا الوطن الكبرى.

لذلك فإن أي عملية إصلاح تحتاج إلى تغيير جذري في القيادات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني لسبب بسيط، هو أن هذه المؤسسات قد فقدت قدرتها في تحقيق التطور المرتجى، وهي غير قادرة حتى على الحفاظ على الحالة السياسية التي نحن فيها الآن رغم ظلمها وظلامها.

هنا أؤكد أن بلادنا العزيزة مهددة في وجودها، وعلينا أن نلتزم بمدخل جديد لمخاطبة الأزمة الخطيرة والمعقدة، والمدخل الأمثل والأفضل هو بناء سودان بقيادة جديدة وبرامج جديدة، وأن نعطي فرصة القيادة للشباب (شباب اليوم ورجال المستقبل) بعيداً عن التكتلات والمؤامرات والضرب تحت الحزام.

المطلوب في هذه المرحلة الحساسة والحرجة أن تتوحد صفوفنا حول برنامج وطني، وأن نتوحد في الهدف والمسار لتحقيق سودان قوي وديمقراطي. بهذا التغيير نتمنى عودة الحياة والحيوية والمصداقية لوطننا الغالي.

ولمقاومة كل سلبيات الدولة العميقة حاضراً ومستقبلاً، المطلوب الآتي:

1. اعتماد الشفافية العالية في علاقاتنا وقراراتنا وسلوكنا.

2. أن نعتمد اختيار مؤسسات سياسية قوية ومسؤولة ومستقلة في قراراتها وملتزمة فقط بما ينص عليه المشروع الوطني.

3. أن يتوفر لنا فضاء نزيه وإعلام حر.

4. تعزيز الشراكات الشعبية في صنع القرار.

5. التأكيد على وجود رقابة برلمانية فعالة.

6. تعزيز الثقافة السياسية بين المواطنين بهدف أن يكون لديهم وعي بحقوقهم ومهامهم.

7. بعد ثورة ديسمبر المجيدة عجزنا عن إقامة المجلس التشريعي، والآن أصبح إقامة المجلس التشريعي واجباً علينا الالتزام به لضمان رقابة برلمانية فاعلة.

د. إبراهيم الأمين

مركز 6 أبريل للدراسات الاستراتيجية والثقافية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى