الأعمدةتأملات

الرباعية الجديدة .. من أجل تفكيك الكتلة الصلبة

تأملات 

جمال عنقرة 

الرباعية الجديدة .. من أجل تفكيك الكتلة الصلبة

من المؤسف له حقا ان كثيرين ينظرون للرباعية الجديدة نظرة ساذجة، وبعضهم يظنون فيها خيرا، واعني الرباعية التي دعت لها أمريكا، واستقطبت لها السعودية والامارات ومصر، وتزعم انها سوف تحل بها أزمة السودان، وأعجب للذين ينتظرون خيرا من هذه الرباعية، وكأنهم لم يعوا درس الرباعية الأولي التي لا زلنا نجني حصادها الحنظل، واقصد الرباعية التي تكونت أول عهد ثورة ديسمبر، وضمت أمريكا وبريطانيا والامارات والسعودية، وكنت فد حذرت المجلس العسكري من عواقبها الكارثية منذ أن كانت مجرد فكرة لكنهم لم يستبينوا النصح الا ضحي الغد، بعد أن وقع الفأس علي الرأس، وكنت قد كتبت عن تفاصيل هذا قبل ذلك، وأقول الآن ما أشبه الليلة بالبارحة، ولعله يشبه ليال كثيرة برحت قبل نشأة السودان وتكونه، وظلت تتكرر دون أن يعي كثيرون الدرس.

ومن المصادفات التي كانت تستوجب التوقف والتأمل أن الأهداف التي من أجلها تم غزو السودان اول مرة قبل مائتي عام ظلت هي ذات الأسباب التي يتم بها كل غزو، حتي غزو الرباعيتين الأخيرين- الثروة والرجال – فمن أجل الثروة والرجال غزا محمد علي باشا السودان عام ١٨٢١م، ولأجل الثروة والرجال ترعي الرباعية غزو السودان.

ولقد تحطمت احلام كل الغزاة في صدور الكتلة الصلبة للقوي الوطنية السودانية، وكل نجاح حققه الغزاة منذ إسقاط دولة المهدية وحتي إسقاط نظام الإنقاذ كان يحدث باختراق وتفكيك الكتلة الصلبة، ويحدث ذلك بغرس بذور الفتنة، وتحطيم الرموز والقيادات، واستمالة ضعفاء النفوس، والرخوين، ومعلومة الفتن القبلية التي شقت الصف الوطني في المهدية، والتي انتهت الي أن يشارك سودانيون في حملة الغزو مقاتلين واستخباريين.

وتكرر نهج الغزاة هذا مع كل حركات التحرر الوطني، ومع كل القادة الثوريين، فعلوه مع السلطان علي دينار، وقبله مع الزبير ود رحمة ود منصور، ومع ألمك نمر، ومع عبد القادر ود حبوبة، ومع الفكي علي الميراوي، ومع الأمير عثمان دقنة “ود علي .. انا انقبضت… ان شاء الله ما بعتني رخيص؟” وكانت خيانة بعض الوطنيين واستمالة بعضهم هي العنوان المشترك في كل ذلك.

ولما انتصر الرئيس نميري لدينه وقيمه، وطبق شرع الله، فتنوه أولا مع اكبر قوة كانت تناصره وتنصره، فاستعدوه علي حلفائه الاسلاميين ، فخلعهم، وألقي بقادتهم في السجون، فانكشف ظهره، ورتبوا له رحلة الوداع التي امتدت لشهرين بدأت بامريكا وانتهت به في مصر لاجئا.

ولما فشلت كل محاولاتهم لاسقاط نظام الإنقاذ الذي كان خارجا عن طوعهم علي الدوام، لجأوا الي الخطة المضمونة، شق الصف، فالانقاذ لم تسقطها الثورة الشعبية، وانما اسقطنها اللجنة الأمنية، ولو أن المظاهرات تسقط نظام الإنقاذ كانت سقطت في سبتمبر ٢٠١٣م ولكنها سقطت في أبريل ٢٠١٩م بتآمر اللجنة الأمنية مع بعض القيادات التنظيمية. 

ويجب الا ننسي مؤامرة كبري حدثت في العام ٢٠٠٥م، عندما توصل السودانيون الي سلام شامل في نيفاشا استوعب كل القوي الوطنية الشمالية والجنوبية، الحاكمة والمعارضة، وكان يمكن أن يكون بداية لتأسيس سودان جديد يقوم علي المواطنة والحقوق والواجبات، تآمروا علي بطل السلام الوحدوي ألوطني القومي الدكتور جون قرنق دي مبيور، فاغتالوه وضمنوا فصل الجنوب عن الشمال، فلم يكن لجون قرنق بديل مثله.

ولما اسقظوا الإنقاذ لم يتركوا الحبل علي قارب الثورة التي سرقت، فشكلوا الرباعية الأولي لتكون حاكمة ومتحكمة في كل شئ، واول شئ فعلوه عزلوا مصر لأنهم يعلمون انها لا يمكن أن تمرر مؤامرة علي السودان، ليس لمبدأ الإخاء وحده، لكنها تعلم أن اي شر يصيب السودان يصيبها بعده، إن لم يكن قبله، ثم جعلوا حميدتي مفاوضا باسم الجيش، واتوا بممثلين للقوي المدنية من هامش الحياة السياسية والنقابية، ووضعوا بهم وثيقة دستورية معيبة، انتهت الي ما يسمي بالنظام الاطاري الذي أرادوا به إحكام سيطرتهم علي السودان، ولكن الشعب السوداني كان لهم بالمرصاد، فتصدي لهم تتقدمه القوي الوطنية الحية السياسية وغير السياسية، والعسكرية، النظامية، وحركات الكفاح المسلح الوطنية الأصيلة، فلما يئسوا من ذلك لجأوا الي خيار الحرب، ولم يدروا أن الشعب السوداني كله ( الفيهم مشهودة) فأشهدوهم والعالم كله بسألة وشجاعة لم يسجل التاريخ لها مثيل، فعادوا ثانية للقصة القديمة البايخة، الرباعية، والي الاسطوانة المشروخة، وقف الحرب، ومسعاهم الآن شق الصف الوطني باستمالة مسميات فقدت صلاحيتها، وأشخاص خارج كل المنظومات، وسوف اكتب تفصيلا عن ذلك، واكتب قبله عن زعيم الصمود وأب الوطنية الشامخ الحسيب النسيب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني رفع الله قدره ومقداره.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى