مقالات

الشرطة السودانية… 71 عاماً من الصمود تحت النار وصناعة الأمن من قلب العاصفة

كتب: محمد عثمان الرضي

تدشّن الشرطة السودانية هذا العام احتفالات عيدها الحادي والسبعين تحت شعار (نصر وعزّة… أمن وأمان) خلال الفترة من الرابع وحتى الثامن عشر من شهر ديسمبر عام 2025، في لحظة تستحضر فيها هذه المؤسسة العريقة تاريخاً ممتداً من التضحيات، وصموداً نادراً في مواجهة السنوات التي عصفت بالدولة والمجتمع على حد سواء.

 

 

 

 

ويحق للشرطة السودانية أن تحتفي بيومها الوطني، فالسجل الذي قدمته في مكافحة الجريمة، وبسط الأمن، وترسيخ هيبة الدولة، وإعلاء حكم القانون، ليس مجرد إنجاز وظيفي، بل هو دور مصيري ارتبط ببقاء الدولة نفسها. لقد ظلت الشرطة، رغم كل الظروف، صمام أمان ومنصة اتزان تمنع إنزلاق البلاد نحو الفوضى.

 

 

 

وقد تعرضت الشرطة خلال الفترات الماضية لهجمات سياسية وإعلامية منظمة، لم يكن هدفها سوى كسر هيبتها وتقويض ثقة الشارع بها. ولو أن مثل هذه الهجمات استهدفت مؤسسات شرطية أخرى في دول مختلفة، لانهارت تماماً، إلا أن الشرطة السودانية أثبتت قدرة استثنائية على الحفاظ على تماسكها وضبط أدائها واستعادة ثقة المجتمع عبر العمل الميداني لا عبر التصريحات (بيان باالعمل).

 

 

 

وتجاوزت المؤسسة دورها القانوني التقليدي لتشارك القوات المسلحة في ساحات المواجهة، وقدّمت شهداء وجرحى ومصابين دفاعاً عن شرف الوطن. وفي لحظات كانت فيها البلاد تقف على حافة الانهيار، تقدّم رجال الشرطة الصفوف وشاركوا في القتال كتفاً بكتف مع الجيش في معركة وجودية لا تحتمل التراخي.

 

 

 

 

ولم يكن دور الشرطة داخلياً فقط، بل حافظت على حضور خارجي فاعل، حيث يشارك وزير الداخلية الفريق شرطة بابكر سمرا في مؤتمر دولي، كما يشارك المدير العام لقوات الشرطة الفريق أول شرطة أمير عبدالمنعم فضل في مؤتمر بتونس، وذلك تزامنا مع إحتفالات الأعياد ويأتي ذلك في إطار حرص الشرطة السودانية على الانفتاح على التجارب العالمية، وتحديث بنيتها المعرفية، وتعزيز شراكاتها الإقليمية والدولية.

 

 

 

 

وفي واحدة من أهم المعارك الإدارية التي خاضتها الدولة، حافظت الشرطة السودانية على الهوية الوطنية باستعادة ملف السجل المدني، الذي تعتمد عليه مؤسسات الدولة كافة بوصفه قاعدة البيانات الأساسية للمواطنين. وقد كان هذا الملف عرضة للضياع خلال الأحداث الأخيرة، ولولا تدخل الشرطة وجهودها الفنية والإدارية الحاسمة، لانفرط عقد هذا السجل الحساس الذي يُوصف بأنه “ملف معركة الكرامة الأساسية”، لما يمثله من صون لهوية الدولة وحقائق وجودها.

 

 

 

 

وقد تجلى حضور الشرطة في أكثر صوره وضوحاً عقب تحرير العاصمة الخرطوم، إذ كانت أول مؤسسة تعود إلى العمل فوراً، وتباشر مهام إعادة الأمن وتنظيم الحياة العامة وتشغيل الخدمات. أظهرت هذه الخطوة أن الشرطة ليست مؤسسة خدمية فحسب، بل هي العمود الفقري الذي يعيد نبض الحياة حين يتوقف كل شيء.

 

 

 

 

ورغم تحديات التمويل، نجحت الشرطة السودانية في الاعتماد على مواردها الذاتية في تشغيل نفسها وتوفير احتياجات منسوبيها، وهو إنجاز إداري لا يتحقق في مؤسسات كثيرة، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحيط بالدولة.

 

 

 

 

وفي إطار مسؤوليتها المجتمعية، تواصل الشرطة دعمها للإعلاميين وقادة الرأي العام عبر التكفل بعلاجهم في المستشفيات الشرطية المنتشرة في مختلف ولايات البلاد، في رسالة تؤكد أن الأمن ليس مجرد دور أمني، بل هو علاقة تكامل مع كل مكونات المجتمع.

 

 

 

 

وبعد 71 عاماً من العطاء، تمضي الشرطة السودانية بثبات في أداء رسالتها: حماية الدولة، وصون المواطن، وبسط الأمن، وتثبيت دعائم الاستقرار في وطن أحوج ما يكون إلى مؤسسات قوية وموثوقة قادرة على الوقوف علي حماية الأمن القومي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى