الأعمدةبريق أمل

الفقد… وجعٌ لا يشيخ مهما مرّت عليه السنين

بريق أمل
هنادي عوض بشير

في ظل حربٍ سرقت من الناس وطنهم وأمانهم، لم يكن الفقد مجرد خبر عابر أو حدث مؤلم ينتهي بانتهاء مراسم العزاء؛ بل صار جرحًا مفتوحًا يعيش في القلب، يتنفس مع كل يوم، ويثقل الروح كلما حاولت الوقوف.

فمن شدّة الوجع ورحيل الأحباب في زمن الحرب، وجد كثير من السودانيين أنفسهم يودّعون أعزّ الناس وهم في عزلةٍ إجبارية، مشتتين بين مدن وبلدان، بلا القدرة على الاحتضان، بلا وداع، بلا وداعٍ يشبههم أو يشبه من رحلوا.

ومع بدايات عودة الخرطوم إلى الحياة شيئًا فشيئًا، عاد معها البعض إلى بيوتهم المهدّمة وإلى شوارعهم التي تغيّرت، وعادوا كذلك ليقدّموا واجب العزاء الذي لم يستطيعوا تقديمه في وقت الموت. تأتيك الوجوه من بعيد، تطرق بابك لتواسيك… فتشعر للحظة أنّ الفقد صار أخفّ، وأن صوت الحزن لم يعد عاليًا كما كان. لكن الحقيقة أن الجرح الأصلاني ما زال في مكانه، ما برا… يكفي أن تسمعي بخبر وفاة جديدة حتى يعود كل شيء كما كان، كأن الأيام لم تمضِ، وكأن اللهيب ما زال مشتعلًا في صدرك.

الفقد عمره ما كان بالمدة… الفقد بما أخذه منا.

أمّي… جنتي.
أبي… سندي.
زوجي… قرة عيني وراحة روحي.

لم أنسكم يومًا، ولن أنساكم. ما زال سرادق عزائكم منصوبًا في داخلي كل يوم. ما زلت أصبّر نفسي وأقوّيها، وأحاول أن أصنع شيئًا يجعلكم فخورين بي. أسأل الله أن يجمعكم في علّيّين مع الشهداء والصديقين، وأن يجبر كسري الذي لا يراه الناس.

الفقد ليس قصة تُروى… الفقد حياة جديدة نتعلّم أن نمشي فيها دون من كانوا يمسكون بأيدينا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى