مقالات

القضارف مدينة تغير ملامحها….. ولا تغير مكانها في القلب !

من أعلي المنصة

ياسر الفادني

 

غبتُ عنها عاماً إلا قليلاً، لا رغبةً في البعد ولا ميلاً للغياب، ولكن لأن الحياة كثيراً ما تدفعنا دفعاً إلى ما لا نريد، ابتعدتُ مُكرهاً عن عشقٍ قديمٍ أقام في القلب، وعن تلك الرابطة التي صاغتها رحابةُ أهلٍ تخلّقوا بالكرم حتى صار سجيتهم، وبرجولةٍ تجعل الغريب واحداً من أهل الدار ، وهكذا أحببتُها حتى الموت… تلك هي القضارف

عدتُ إليها فوجدتُ حالها قد تبدّل إلى الأفضل، تنميةٌ تتفتح بين المباني التي كانت يوماً مجرد هياكل في عهد الراحل ميرغني صالح، ومباني أمانة الحكومة تتزين بلمسات جديدة، حتى مكتب زملائي في الإعلام خلع ثوب البؤس القديم، ذلك الأثاث الذي ظل صامداً منذ عهد الوالي عبد الرحمن الخضر لم يمسسْه تجديد لا في الاثاث ولا الأجهزة إلا في عهد الجنرال… عهدٌ يعرف معنى التغيير

لكن المبنى ليس كل الحكاية، فالمعنى أعمق، رأيتُ طرقاً رُمِّمت وأُهِّلت داخل المدينة، شاهدتُ بأم عيني (الكراكات الصفراء الثقيلة وهي تلتهم التراب في خور فارغة، ثم رأيتها تشق طريق الستين الحيوي، ومن حسن الصدف أنني حضرت العرض الأول لتصميم هذا الطريق داخل قاعة مجلس الوزراء، عرضٌ راقٍ، عصفٌ هندسيّ جعلني أحدّق طويلاً في الشاشة أمامي، أراقب الملاحظات والأسئلة، وأصغي إلى الردود، وأرى كيف جمع الوالي خيوط النقاش ثم لخّصها بدقة ليصنع منها قرارات ملزمة للجنة التصميم، حتى يخرج الطريق كاملاً لا تشوبه شائبة

قد يمضي الزمان، لكن القضارف لا تتراجع… هكذا عهدناها ، ولو مكثتُ فيها أياماً أخرى لرأيتُ العجب العجاب، فهذه مدينة تعرف كيف تنهض كلما ظنّ الناس أنها تعبت

تحية لك أيها الجنرال الذي فكّر ورتّب وأنجز، وترك بصمات واضحة في المباني والمعاني، وتحية لحكومتك التي تابعتها من بعيد تعمل بهدوء وتظهر بحضور ناصع ، وتحية لإنسان القضارف الذي علّمني أن الأخوّة لا تنقطع مهما ابتعدت الأجساد

إني من منصتي….. أمسك بقلمي…. ثم أكتب صادقا بمداد لايجف : القضارف… يا مدينة لا تستكين، يا أوّل الذاكرة حين يُذكر الخير، وأسبق الصف حين يُذكر الكرم، أنتِ الغياب الذي يُورِث شوقاً، والحضور الذي يُبهِر كلما عدنا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى