
المدن السودانية: من رماد الحرب إلى أفق الذكاء الحضري
شئ للوطن
م.صلاح غريبة
Ghariba2013@gmail.com
تحتفل الأمم المتحدة في الحادي والثلاثين من أكتوبر من كل عام بـ اليوم العالمي للمدن، مناسبة لتسليط الضوء على أهمية التخطيط الحضري المستدام وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة تحديات التحضر المتسارع. وفي هذا العام، يأتي الشعار ليؤكد على ضرورة تسخير التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي في تصميم وإدارة مدن تضع احتياجات الإنسان، والشمولية، وإمكانية الوصول في المقام الأول لتحسين جودة الحياة الحضرية للجميع.
في الوقت الذي تتجه فيه المدن العالمية نحو آفاق المدن الذكية، يواجه السودان تحدياً وجودياً يتمثل في إعادة بناء مدنه التي دمرتها الحرب. لم تعد القضية مجرد استعادة ما كان، بل هي فرصة لا تعوض للقفز فوق سنوات الدمار والبناء التقليدي، والانطلاق نحو تبني رؤية حضرية جديدة تتوافق مع المعايير العالمية لـ “المدن التي تتمحور حول الإنسان”.
المدن السودانية، وخاصة الخرطوم وبقية المناطق المتأثرة بالنزاع، تحتاج إلى خطة إنعاش لا تركز فقط على سد الاحتياجات الإنسانية الفورية، بل تتجاوز ذلك لتشمل تأسيس بنية تحتية رقمية قادرة على دعم الإدارة الذكية المستقبلية.
إن استخدام التكنولوجيا يجب أن يبدأ من الأرض التي دمرتها الحرب، كأداة لضمان الشمولية وعدم ترك أحد خلف الركب. يعني هذا توفير منصات رقمية للحصول على الخدمات الأساسية في المناطق المتضررة والنائية، بما يتجاوز تعطل المرافق، بجانب إعادة بناء شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي باستخدام أنظمة ذكية ترصد الأعطال وتدير الموارد بكفاءة، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل محدودية الموارد، واستخدام التقنيات لإنشاء سجلات وبيانات عقارية ومستندات هوية رقمية آمنة، وهو ضروري لمعالجة قضايا النزوح وتسهيل عودة السكان، وبناء الثقة في المؤسسات الحكومية بعد الصراع.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً محورياً في تسريع التعافي الحضري بالسودان بتقييم الأضرار والتخطيط مع استخدام الصور الجوية وتحليل البيانات الضخمة لتحديد أولويات إعادة الإعمار بدقة وسرعة، بعيداً عن البيروقراطية، وإدارة موارد إعادة الإعمار بتطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحسين سلاسل إمداد مواد البناء وإدارة العمالة وتوزيع المساعدات لضمان العدالة والكفاءة، فيجب أن تُصمم المدن السودانية الجديدة لتكون مُيسّرة للجميع، بما في ذلك ذوي الإعاقة وكبار السن والنساء والأطفال. يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في محاكاة حركة المشاة والمرور لتصميم مساحات عامة أكثر أماناً وإنسانية.
إن اليوم العالمي للمدن هو أكثر من مجرد احتفال؛ إنه صرخة استغاثة وفرصة لإعادة توجيه البوصلة نحو مستقبل حضري أكثر عدالة واستدامة. بالنسبة للسودان، يعد هذا اليوم بمثابة تذكير بأن الخيار لم يعد بين إعادة بناء المدن كما كانت أو تطويرها، بل بين المضي قدماً بجرأة نحو مدن ذكية وشاملة، أو الوقوع في فخ التخلف الحضري.
يجب على المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، والخبراء السودانيين أن يتكاتفوا لإطلاق مشروع قومي للتعافي الحضري الذكي، يجمع بين ضرورات الإغاثة الفورية ورؤية مستقبلية ترتكز على التكنولوجيا والاحتياجات الإنسانية. عندها فقط، يمكن أن تتحول مدن السودان من رمز للدمار إلى منارة للأمل والإبداع في أفريقيا.