الأعمدةتأملات

الهدنة .. الفتنة الكبري

تأملات

جمال عنقرة

شرعت في كتابة هذا المقال قبل انتهاء اجتماع مجلس الأمن والدفاع السوداني الذي انعقد اليوم الثلاثاء في الخرطوم، وكتبت في مطلعه (بنشر هذا المقال يكون مجلس الأمن والدفاع قد ختم اجتماعه التاريخي الذي ينتظره كل اهل السودان، ويكون قد خرج بفراره المنتظر الذي يثلج الصدور، ويقطع راس الحية، ويقطع دابر الفتنة، ويقول بعبارات صريحة، لا للهدنة لأي سبب من الأسباب، ولما خرج ببيانه الذي وصفه احسن المتفائلين بأنه مثل رد اهل العروس (موافقين لكن البنت عايزة تقرأ) فكرت في تغيير العنوان إلى(مجلس الأمن والدفاع.. كانك يا أبو زيد ما غزيت) لكني ابقيت علي العنوان الأول لانه الأشمل، ولانه يشير إلى التحدي الأكبر- الفتنة – والتي زاد هذا البيان من احتمال وقوعها بصرفه النظر عن كل تحديات الداخل، واهتمامه فقط بتهديدات وإغراءات الخارج، فضلا عن غياب الرؤية وضعف الارادة، فكان من الممكن أن يأتي البيان في سطر واحد (موافقون علي الحوار من أجل السلام’ ولكننا لن نوقف العمليات العسكرية حتى خروج المليشيا من جميع الاعيان المدنية التي احتلتها المليشيا بدعم خارجي ومرتزقة من عدة رول) ويكون بذلك قد فوت الفرصة علي المتامرين والمتربصين، وحافظ علي تماسك الجبهة الداخلية.

اما البيان الذي اعلن ترحيب وشكر المجلس علي الجهود المبذولة لتخفيف معاناة المواطنين بسبب الحرب، وخص بالشكر الحكومة الأمريكية والسيد مسعد بولس مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، ولما كان الجند الأساسي او بالأصح الوحيد للاجتماع هو الهدنة، فيكون ما ورد في البيان علي طريقة الرجل الذي قال انه لن يفصح عن اسم محبوبته، لكن أول حرفها فاطمة بت عبد الغفا.

ان فتنة الهدنة ذات شقين كل واحد منهما اخطر من الثاني، أولهما انها تمكن المليشيا من ادخال معدات وأسلحة عسكرية تستطيع بها ان تحكم سيطرتها علي كل السودان، وليس دارفور وكردفان وحدهما، وبعد ثلاثة شهور لكن تكون الخرطوم هي الهدف، ولكن لن تسلم بعد ذلك كل المدن بما في ذلك بورتسودان ودنقلا ومروي وعطبرة والقضارف وكسلا وغيرها، اما الشق الثاني فان المقاتلين في الميدان من كل القوات العسكرية الرسمية والشعبية لن تستجيب لنداء الهدنة، وهذه ستكون اعظم فتنة، ولن يقف الأمر عند المشتركة والبرائين وحدهم كما يروج لذلك المرجفون، ولكن كل المقاتلين في الميدان لن يكونوا بالسذاجة التي تجعلهم يلدغون من ذات الجحر ثلاث مرات، وكما هو معلوم ان القوات عندما عبرت الجسور وحررت القيادة العامة كان في مقدورهم القضاء علي المليشيا قبل ان يخرجوا من العاصمة، ولكن تم جر اللجام، وأوقفوا عند ذاك الحد، حتى رتبت المليشيا صفوفها وتمركزت في جنوب ام درمان وشكلت خطرا عظيما علي العاصمة، واستغرق ذلك وقتا عظيما حتى استطاعت القوات طردهم من الصالحة تاركين سلاحهم وعتادهم وطعاهم، وكان بإمكان القوات القضاء عليهم ولكن تم جر اللجام للمرة الثانية، وما جري بعد ذلك كله من الحصاد العلقم لهذا الموقف المخزي، فلن يقبل المقاتلون ان يتجرعوا السم ثلاث مرات بسبب ضعف تقدير القيادة.

واقول في الختام ان الفرصة لا تزال متاحة امام القيادة، والبداية تكون بالفصل بين الحوار والهدنة، فليوافقوا علي الحوار مع الجميع وفي كل مكان، وبشروط واضحة ومعلنة يدعمهم فيها الشعب، ويرفضون الهدنة العسكرية قبل الوصول إلى اتفاق سلام شامل.’

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى