
بقلم :الهادي سعيد هدي
الأخ العزيز جمال عنقرة، تحياتي وتقديري،
فهمت دعوتك للحوار مع دولة الإمارات لا يعني قبول سلوكها أو مواقفها، بل هي محاولة عقلانية وسياسية لإدارة الخلاف أو للوصول إلى نقطة توازن أو تفاهم، وهذا لا يلغي الموقف الأخلاقي أو الوطني تجاه ما يُعتبر عدواناً أو تدخلاً ضاراً.
وما أود أن أتناول معك موضوعًا في غاية الأهمية، وهو الوعي المجتمعي، وأثر غيابه أو تغييب الناس عمدًا عن الحقائق في تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي نعيشه اليوم في السودان.
إن انعدام الوعي المجتمعي لا يمثل مجرد خلل ثقافي أو نقص في المعلومات، بل هو معضلة استراتيجية تُستخدم بوعي أو دون وعي لتكريس الهيمنة، وتعطيل إرادة الجماهير، وإعادة إنتاج الأزمات. فشعب بلا وعي هو شعب يسهل توجيهه، وتُحجب عنه الحقيقة، ويُدفع في مسارات لا تخدم مصلحته الوطنية.
للأسف، ما نراه اليوم في السودان من تدهور حاد في مؤسسات الدولة، وحروب داخلية، وانهيار اقتصادي، وفقدان للثقة بين المكونات الاجتماعية والسياسية، ليس منفصلًا عن هذه الأزمة العميقة في الوعي. وقد أسهم الإعلام الموجّه، والتعليم المُهمل، وخطاب النخب المنفصل عن واقع الناس، في تفاقم هذا الوضع.
تُمارَس اليوم في السودان سياسات تغييب متعمدة للحقائق، حيث يُحرَف مسار النقاش العام، ويُشيطن من يطرح الأسئلة الجوهرية، وتُروج السرديات الزائفة، مما يُنتج رأيًا عامًا هشًا وعاطفيًا، لا يستطيع التمييز بين العدو والصديق، ولا بين الحلول الحقيقية والمخدرات الخطابية.
ولذلك، فإن أولى خطوات الإنقاذ الوطني ليست فقط في وقف الحرب أو تغيير الحكومة، بل في بناء وعي جماعي نقدي، وخلق فضاء معرفي حر، وإعادة الشعب إلى قلب المعادلة. فالشعب الواعي لا يُستغفل، ولا يُستغَل، وهو أقدر على حماية مقدراته واتخاذ قراراته السيادية بنفسه.
نحتاج إلى مشروع وطني كبير يعيد الاعتبار للعقل، ويكسر جدار الصمت، وينقل المعرفة من النخبة إلى الشارع، ويُعيد تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة على أسس من الصدق، والمسؤولية، والشراكة الحقيقية.
إن لم نعالج هذه المعضلة، فكل تغيير سياسي سيظل شكليًا، وكل إصلاح اقتصادي سيكون هشًا، وكل دعوة للسلام ستكون مؤقتة.
ختامًا، دعوتنا للحوار أو المواجهة، لأي طرف خارجي أو داخلي، يجب أن تستند أولًا إلى وعي شعبي حقيقي، يعرف من نحن؟ ما هي قضايانا؟ ومن هو العدو؟ ومن هو الحليف؟ دون ذلك، ستظل بلادنا رهينة للجهل والتضليل والتبعية.
ولك التقدير دائمًا.