
تأملات
جمال عنقرة
العلاقات السودانية المصرية .. ليس كل مرة تسلم الجرة (٨)
تحدثت في المقال السابق عن الهواجس الأمنية التي تعطل كثير من المشروعات التكاملية والتواصلية الاستراتيجية بين مصر والسودان، وبسبب هذه الهواجس تتعطل وتتكسر قرارات سيادية مهمة، وكان الرئيس البشير يستمع إلى رأيي في بعض ما يتعلق بشؤون مصر، وكان يثق في ما أقول ويعتبره وليد خبرات وتحارب، ويقدمه علي رأي كثير من المختصين في الحكومة في هذا المجال، وكان مهموما جدا بالعلاقات السودانية المصرية، وكانت وصيته لأكثر من سفير للسودان في مصر، أن الوحدة هي سقف العلاقة المنشود مع مصر، وادناه التكامل في ارفع مستوياته، الا ان هذه السقوف الطموحة كانت بعيدة عن مراقي الذين يعملون في هذه الملفات.
ولئن كانت الهواجس الأمنية قد شكلت عقبة في ترقية التواصل والتكامل في مجالات كثيرة، فإن بعض الأوهام التي تعشعش في عقول سودانية ومصرية كانت عقبتها أكبر.
كثيرون من السودانيين يتوهمون أن الاقتصاد المصري يعتمد بصفة اساسية علي المنتجات الخام السودانية التي تعمل مصر علي تصنيعها واعادة تصديرها، وهذه معلومات غير دقيقة وغير مكتملة. صحيح أن هناك منتجات خام سودانية تأتي إلى مصر، وتقوم مصر بتصنيعها واعادة تصديرها، ولكنها لا تساوي رقما يذكر بالنسبة للصادرات المصرية، والأهم من هذا أن هذه المواد الخام السودان لا يمتلك اي بنية صناعية لها، وبعضها ليس لها أسواق خارجية غير مصر، مثل الإبل. ويقابل هذا الوهم السوداني وهم مصري يعتقد أن اي توسعة في الرقعة الزراعية في السودان ستكون خصما علي فائض مياه النيل الذي يصل إلى مصر كل عام، ولذلك تفشل كل المشروعات الزراعية المصرية في السودان، ولو أن هؤلاء الواهمين نظروا من زاوية مختلفة لوجدوا أن الأفضل لمصر أن تتجه بكلياتها للاستثمار الزراعي في السودان، فما تنفقه مصر لاستصلاح فدان واحد في الصحراء المصرية يكفي لزراعة عشرات الافدنة في اراضي السودان الخصبة، والأمر يحتاج إلى رؤية استراتيجية وقرارات سيادية محمية، تحقق تكامل حقيقي يستفيد من الميزات التفضيلية التي جعلها الله متكاملة في البلدين الشقيقين لا تكتمل هنا الا بالتي هناك، والعكس صحيح.
نواصل بإذن الله تعالى