مقالات

خبر وتحليل | عمار العركي..زيـارة أسمرة، وقـلـق أديـس أبـابـا وما يجب علي الخرطوم_ ؟

 

* في خضمّ التحولات المتسارعة في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، جأءت زيارة د. كامل إدريس ووزيري الخارجية والإعلام الأخيرة (9 أكتوبر الجاري) كتطور مهم ،وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين الخرطوم وأسمرا، في وقت تتزايد فيه التحديات و المنافسات الإقليمية .
* برزت في المشهد الإثيوبي الرسمي والإعلامي إشارات واضحة تعبّر عن حالة “قلق وتوجّس متزايد” من الزيارة وتبعاتها ، أبرزها تمثّل في خطاب رسمي وجّهته وزارة الخارجية الإثيوبية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 2 أكتوبر، أي قبيل الزيارة مباشرة، اتّهمت فيه إريتريا بـ«التواطؤ» مع جبهة تحرير تجراي والتحضير لعدوان محتمل على إثيوبيا. ورغم أن الخطاب لم يشر مباشرة إلى السودان، إلا أن توقيته ومضمونه يعكسان مخاوف إثيوبية من دعمٍ أو انحيازٍ سوداني لإريتريا في أي مواجهات قادمة،
* في ذات السياق، عبّر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بعد أيام من الزيارة، عن إصراره على «تصحيح الخطأ التاريخي الذي حرم إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر»، في إشارة صريحة إلى طموح إثيوبي قديم متجدّد يثير حساسيات إقليمية ويضع أي تقارب سوداني–إريتري تحت مراقبة دقيقة من قِبل أديس أبابا.
* كما صدرت مقالات وتحليلات عن منصات إثيوبية، أبرزها Horn Review، وصفت التقارب بين السودان وإريتريا بأنه “تحالف أمني–بحري محتمل” قد يضعف النفوذ الإثيوبي في البحر الأحمر ويعقّد تحرّكاتها في ملف الحدود الشرقية. وبلغ هذا الخطاب ذروته عندما تردّدت روايات تزعم أن (التحركات الإريترية ضد مشروع المنفذ البحري الإثيوبي ليست نابعة من موقف سيادي ذاتي، بل بتحريض ورعاية من ” دول عربية” لديها مصالح في البحر الأحمر).
* هذا الاتهام قابله رد مباشر من وزير الإعلام الإريتري “يماني قبرمسقل”، عبر تغريدة نفى فيها هذه المزاعم بشدّة، مؤكّدًا أن (إريتريا حقّقت استقلالها بجهدها وحدها، وأن قرارها سياديٌّ مستقلٌّ لا تُسيّره أي أطراف خارجية) رداً واضحاً على محاولات إثيوبية تشويه صورة أسمرا والزج باطراف عربية في الصراع والطبع المقصود هنا ‘السودان ومصر”.
* إلى جانب الخطاب الإعلامي والدبلوماسي، رُصِدت تحرّكات إثيوبية عملية تهدف لإعادة التموضع داخل السودان، من أبرزها استئناف شركة الخطوط الجوية الإثيوبية رحلاتها اليومية إلى بورتسودان، كخطوة تُفسر بأنها محاولة ناعمة لملء الفراغ وكسب موطئ قدم في المشهد السوداني المتحوّل، وربما لموازنة الزخم الناتج عن الزيارة الأخيرة.
* كل هذه المؤشرات — في الخطاب الرسمي والتحرّكات العملية — تُظهر بوضوح حجم الحساسية التقليدية المتوارثة تجاه أي تقارب بين الخرطوم وأسمرا، بغضّ النظر عن المعطيات والمستجدات، وتدلّ على أن أديس أبابا تنظر إلى هذا التقارب كتهديد استراتيجي يستدعي مراقبة واحتواء.
* من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى التعامل بوعي كامل مع هذا التحوّل ، فالعلاقة بين السودان وإريتريا ظلت محاطة بتحديات داخلية وإقليمية متشابكة، تشمل داخليًا إدارة التنسيق بين الجهات المعنية وضمان تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وإقليميًا التعامل مع الحساسية الإثيوبية والتحولات في البحر الأحمر، الأمر الذي يتطلّب تحركًا عمليًا، سياسيًا وإعلاميًا.”
*خــلاصــة الـقــول ومنتهـــاه*
* غداة الزيارة، كتبنا عن ضرورة (طرق الحديد على سخونته)، وبالسرعة المطلوبة في تفعيل ما تم الاتفاق عليه وتطويره، عبر خطوات عملية ومعلنة، يسبقها حراك إعلامي ثنائي. ويجب أن تُترجم روح التفاهم السياسي إلى تعاون فعلي في مجالات الأمن والحدود والبحر الأحمر والإعلام، بما يحقق الأهداف والمصالح المشتركة بين أسمرا والخرطوم من جهة، ويعيد التوازن إلى المشهد الإقليمي من جهة أخرى، ويمنع أي طرف آخر من احتكار رواية الأحداث أو استثمار الفراغ لصالحه.
* لقد مضى وقت كافٍ منذ الزيارة، وحان وقت انطلاق الحراك الإعلامي والدبلوماسي الذي يؤكد ما تم الاتفاق عليه. إن تأخير تفعيل ما اتُفق عليه وترك الساحة الإعلامية والدبلوماسية بلا حراك يمنح الآخرين فرصة لملء الفراغ — وها هم قد بـدأوا فعـلاً.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى