الأعمدةتأملات

خلافات البرهان وكباشي

تأملات
جمال عنقرة

يتداول الناس هذه الايام المقال العميق الذي كتبه الاستاذ محمد عثمان ابراهيم عن الخلافات الظاهرة والخفية بين رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق الأول ركن عبد الفتاح البرهان، وبين عضو مجلس السيادة نائب القائد العام الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، ورغم اني كنت قد كتبت كثيرا قبل ذلك عدة مقالات حول هذا الموضوع، اشهرها وأوضحها كان بعنوان (لا تنازعوا .. فتفشلوا .. وتذهب ريحكم) إلا أن المقال الأخير استفزني كثيرا، ودفعني دفعا للكتابة مرة اخري، وبوضوح وصراحة، ومباشرة اكثر من ذي قبل، فلئن كان الاستاذ محمد عثمان، وكما أشار في مقاله انه رغم معارضته لنظام الحكم القائم، وأمنيته أن يسقط، لكنه لم يسعد بهذا الخلاف لأنه إذا لم يتم تداركه – لا قدر الله – فقد يتجاوز سقوط الحكومة الى سقوط الدولة كلها، فكيف لا يكون شقائي بهذا الخلاف اعظم منه، وانا أؤيد هذا النظام، واقف معه، وادعمه، وانافح عنه، وعلي استعداد لحمل السلاح دفاعا عنه، لانه الامل الباقي في ان يظل السودان وطنا واحدا، وبلدا شامخا، يسعد به اهله وبنوه، ثم ان بعض الذين تصدوا لمقال الاستاذ محمد عثمان، كتبوا كلاما عاطفيا فطيرا، تغلب فيه المنافع الشخصية علي المصالح العامة، ولهذا قررت ان اكتب انطلاقا من ذلك الحرص الوطني، ولن أخوض في تفاصيل الخلافات المعلوم اكثرها للناس كلهم، لكنني اركز علي كيفية تجاوز هذه الخلافات ومعالجتها.
وقبل كل شئ لا بد ان نؤكد ان مبدأ الخلاف والاختلاف قديم وموجود، ولقد اختلف من هم اكرم واصدق منا، جميعا، اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، ووصل بهم الخلاف إلى أن حمل بعضهم السلاح في وجه بعض، وفعل ذلك من هم افضل واصدق من البرهان وكباشي الخليفة الرابع علي بن ابي طالب، وام المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت ابي بكر رضي الله عنهما، وكان الرسول صلي الله عليه وسلم قد قال ان يبعث الله علي الناس عذابا من فوقهم ومن تحت ارجلهم، أهون من ان يلبسهم شيعا، ويذيق بعضهم باس بعض، ومن الأسباب التي تزكي نيران الخلافات وتزيدها اشتعالا، وجود الفتانين، وكان هؤلاء موجودين حتى في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم،ً(ومن اهل المدينة مردوا علي النفاق، لا تعلمهم، الله يعلمهم) وما اكثر هؤلاء بيننا، وليتهم جميعا من اهل المدينة، ففيهم من اهل مدن وبلدان شتي، وفيهم عظماء قوم، يعلمهم الله، ونحن كذلك نعلمهم.
ومن غرائب الأمور تحضرني واقعة حدثت قبل نحو خمس سنوات تقريبا، في العام الأول للثورة، أتاني بعض وجهاء القوم من اهل غرب السودان، كردفان ودارفور، وطلبوا مني ان اقف معهم في مبادرتهم للإصلاح بين كباشي وحميدتي، ورغم تحفظي علي منطلقهم لكنني اتصلت لهم بالسيد كباشي، وحدد لنا موعدا وذهبنا له معا، فقالوا له ان حميدتي غاضب منه لانه في اجتماعات المجلس العسكري يقف مع البرهان، ولا يقف معه، بل يعارضه، وكان الاولي في منطقه ان يقف معه لأنهما من أبناء الغرب، فقال لهم كباشي ان المناطقية ليست هي أساس الولاء والبراء، وإنما هو يقف مع الحق، وان من أسباب التقارب بينه وبين البرهان، أنهما من مدرسة واحدة، القوات المسلحة، لها قيم وأسس وضوابط ومناهج، وهذا ما يباعد بينه وبين حميدتي، وضرب لهم مثالا، ان حميدتي يتحدث في مواضيع لم تتم مناقشتها في المجلس، او لم يتم الاتفاق عليها، فيتحدث عنها في الاعلام باعتبارها قرارات ومواقف، لذلك عندما يجتمع المجلس يهاجمه، ويعارضه، ويقف مع البرهان، ويقف البرهان معه.
ولكن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ويحمد للرجلين القائدين الأول والثاني، البرهان وكباشي، أنهما علي قلب رجل واحد من معركة الكرامة، وأنهما يقفان في خندق واحد يقودان المعركة ضد كل الغزاة والمعتدين، وإنهما لن يهدأ لهما بال قبل أن يشاهدا السودان كله حرا أبيا خاليا من المليشيا والمرتزقة، ولكن تبقي المشكلة عندما تنتهي معركة الجهاد الأصغر، وتبدا مرحلة الجهاد الأكبر، والتي صارت قاب قوسين او ادني، وخطورة هذه المرحلة انها ينشط فيها الذين مردوا علي النفاق من اهل المدينة، ومن اهل المدن والدول الأخرى، وهنا يعظم التحدي والابتلاء.
ومن خلال معرفتي العامة بالسيد البرهان، ومعرفتي العامة والخاصة بابن اخي شمس الدين، أستطيع ان اجزم ان الرجلين ليس لاحدهما مصلحة شخصية يسعي لها، واكاد ابصم بالعشرة ان كباشي لا يطمع في ان يزيح البرهان من مكانه، وان البرهان يعلم انه لن يجد ساعدا ايمن اقوي من نائبه كباشي، ولكن المشكلة الأكبر كما ذكرت في الذين مردوا علي النفاق من اهل المدينة، ومن اهل المدن والبلدان الأخرى.
السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة ان يجلس البرهان وكباشي وحدهما، ويواجه كل واحد منهما الآخر بكل ما يدور في صدره، ويمكن ان يجلس معهما رجلان، احدهما او كلاهما، هما يعرفانهما، والرجلان يعلمان اني أشير اليهما، فإذا ما استقام الأمر بين القائد ونائبه، وهذا ما نرجوه ونأمله ونتوقعه باذن الله تعالي، عليهما بعد ذلك ان يقودا معا تسوية صفوف شركاء معركة الكرامة، المشتركة، المجاهدون الإسلاميون والوطنيون، الأحزاب الوطنية المرابطة، القيادات الأهلية والمدنية، النساء والشباب، المهنيون والنقابيون المبعثرون في دول المهاجر القريبة والبعيدة، الذين وقفوا صفا واحدا مع القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في معركة الكرامة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى