
خَسَائِر الإمارات من حرب السُّودان..!
ضياء الدين بلال
تُعَدّ دولة #الإمارات العربية المتحدة الداعم الأكبر للمليشيا، والراعي الرسمي لمشروعها السُّلطوي. وبالطبع، لم يكن ذلك الدعم بلا أهداف محددة أو غايات مرتجاة.
نعم، للإمارات مصالح ومخاوف ورغبات في #السودان .
وهناك أربع قراءات تفسّر دوافعها في هذه الحرب الكارثية:
الأولى: مصالح ذات طبيعة اقتصادية، تتعلق بالذهب والموانئ والموارد الزراعية.
الثانية: رغبة الإمارات في أن تضع، من خلال رعايتها لقوة الدعم السريع، مثل هذه القوة القتالية ذات الانتماءات المتنوعة والقيادة الأسرية المركزية والقاعدة العسكرية الواسعة، تحت تصرّفها في مغامرات خارجية مقبلة.
الثالثة: مخاوف ذاتية من تمدد نفوذ الحركات الإسلامية في المنطقة وتأثيرها.
الرابعة: أن الإمارات تُمارس دور الوكيل التنفيذي للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، وفي السودان تحديداً.
وليس بمستبعد أن تكون هذه القراءات الأربع، مجتمعةً، هي التي تُشكِّل قاعدة الانطلاق في السياسة الإماراتية تجاه الشأن السوداني.
دعونا ننظر بعمق إلى احتمالات تأثير الحرب وتداعياتها على مصالح ومخاوف ورغبات الإمارات:
أولاً: إذا افترضنا صحة القراءة الأولى، وأنّ الدافع الإماراتي اقتصادي بالأساس – كالاستحواذ على الأراضي الزراعية في الفشقة وغيرها، والسيطرة على الموانئ، أو استدامة مصالح قائمة مثل الحصول على الذهب –
فإنّ الحرب وما رافقها من فظائع وانتهاكات وما خلّفته من مرارات، قد خلقت بيئة معادية للإمارات لن تسمح لها بالاستثمار في الأراضي السودانية أو استغلال الثروات، لا في المدى القريب ولا البعيد.
فالمنطق يقول: “لا يمكنك أن تزرع الشوك ثم تأمل أن تجني العنب!”
أما في ما يخص الاستثمار العسكري، المتمثل في وضع قوة الدعم السريع تحت التصرف التكتيكي والاستراتيجي للإمارات لتنفيذ مخططات معدّة سلفاً أو محتملة،
فقد كان لهذا السيناريو فرص أفضل للنجاح لو تمكّن الدعم السريع من الاستيلاء على السلطة في 15 أبريل عبر انقلاب سريع وخاطف بتكلفة سياسية وأخلاقية محدودة.
لكن بعدما فشل ذلك الانقلاب ودخلت البلاد حرباً طاحنة، تحوّل الدعم السريع إلى مليشيا إرهابية ذات سمعة سيئة محلياً ودولياً.
وبذلك ارتفعت الفاتورة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية للعلاقة بها، ولم يعد ممكناً استثمارها كما خُطِّط له قبل الحرب.
فكلّما ارتفعت تكاليف الإنتاج لأي سلعة أو مشروع سياسي، انخفضت الأرباح حتى حدود الخسائر الفادحة.
كما أن الانتهاكات الواسعة التي وثقتها لجان ومنظمات دولية وأجهزة إعلام عالمية، ستضع الإمارات في ورطة كبيرة، إذ ستجد نفسها – بعد أن تضع الحرب أوزارها أو قبل ذلك – مُلاحقةً بمطالبات جنائية وتعويضية وإدانات أخلاقية وابتزاز اقتصادي من الدول الغربية، سيستمر لعقود طويلة.
وسيظل هذا الملف وصمة عار في تاريخها، لا تزيلها كريمات “التجميل الإنسانية” من إعانات وإغاثات، تشوّه صورة زاهية خلّدها الشيخ المؤسس زايد بن سلطان آل نهيان.
أما بشأن المخاوف من الإسلاميين، فقد أعادت الحرب العدوانية التي شنّتها المليشيا على الدولة السودانية الإسلاميين إلى الواجهة بقوة، بعد أن كانت شعبيتهم في تراجع يكاد يبلغ حدّ التلاشي منذ 2019.
وبذلك أنهت الحرب عزلتهم، إذ شاركوا – مع غيرهم من فئات المجتمع – في مقاومة المشروع الغازي.
أضف إلى ذلك أن الإسلاميين، بما لديهم من خبرات في الحكم وقدرات تنظيمية، سيكون لهم دور محوري في تشكيل موقف مجتمعي ونفسي معادٍ لأي مشروع إماراتي داخل السودان.
وفضلاً عن خسائر الإمارات في مشروعها العسكري المتمثل في مليشيا الدعم السريع، فقد خسرت أيضاً رهانها على حليفها المدني الذي طُرح كبديلٍ للإسلاميين، بعد أن وضعه موقفه المراوغ من الحرب في دائرة الاتهام بالمشاركة السياسية وربما الجنائية في جرائمها.
وإذا كانت الإمارات متورطة في هذه المأساة بالوكالة عن إسرائيل، لا أصالةً عن نفسها، فإنّ ما تؤول إليه الحرب – سواء بانتصار المليشيا أو بهزيمتها – لن يحقق مصالح إسرائيل أيضاً، ولن يُنهي مخاوفها.
فانتصار المليشيا يعني الفوضى في السودان، إذ إن طبيعة تكوينها وثقافة مقاتليها وافتقار قيادتها للحكمة تمنعها من إدارة الدولة، بل ربما تدفعها إلى صراعات وانقسامات داخلية عميقة.
كما أن اتساع قاعدة المتضررين من سلوكياتها سيشكّل وقوداً لحركات مقاومة شرسة من منطلقات متعددة.
وخلاصة الأمر، أن الانقسامات الداخلية في صفوف المليشيا والمقاومة الشعبية المحتملة ذات الطيف الواسع، ستفتح الباب واسعاً أمام سيناريو الفوضى الشاملة.
وعند تلك النقطة ستنعدم المصالح وتتضخم المخاوف، حين تتحول أرض السودان الواسعة – ذات الجغرافيا المعقدة والمنافذ الحدودية المتعددة – إلى ملاذ مفضل للحركات المتطرفة.
وحينها، قد تخرج نسخة هجينة من داعش الشرق الأوسطية وبوكو حرام الإفريقية.
#الفاشر
فبدلاً من أن تواجه إسرائيل والدول الغربية والإمارات سلطة حاكمة ذات نزوع براغماتي يمكن التفاهم معها، ستجد نفسها أمام جماعات متطرفة تتكاثر فوق الأرض وتحتها في مناخ السيولة الأمنية.
وبهذه الحسابات الواضحة لكل ذي بصيرة، يتضح أن الإمارات – كما هي جانٍ ومعتدٍ على السودان – هي أيضاً ضحية لاستشارات فاسدة ومعلومات منعدمة الصلاحية قُدّمت إليها في طبقٍ من ذهبٍ مزيف، تفتقر إلى الفهم العميق لتضاريس الخارطة السياسية والعسكرية السودانية.
وعلى إثر ذلك، تحولت الأرباح المتوقعة إلى خسائر فادحة وماثلة.
وحين بدأت الإمارات تُدرك فداحة خسائرها من حرب السودان،
لذلك تسارعت خطواتها في الآونة الأخيرة لإعادة تموضعها، وتوصيف دورها في المشهد كـ”وسيطٍ يسعى لتحقيق السلام” من مقعد المراقبة،
بدلاً من راعٍ وممولٍ لأفظع حربٍ وأكبر كارثةٍ إنسانيةٍ يشهدها العالم في السنوات الأخيرة.
*نُشر المقال في أغسطس من العام الماضي.