غير مصنف

دعا إلى إيقاف العنف فوراً ومحكمة المتورطين في حرب السودان،، أنـور قـرقـاش،، “الاستهبال الإماراتي”..

 

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

في الوقت الذي تتصاعد فيه الاتهامات الرسمية السودانية ضد دولة الإمارات بالتورط في حرب السودان، وتصل بها الخرطوم إلى منضدة مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية بلاهاي مدعومةً بالأدلة والبراهين، خرج المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، بتصريحات دعا فيها إلى إيقاف العنف فوراً في السودان ومحاسبة المتورطين فيه، مؤكداً أن الاتهامات الموجهة إلى بلاده “محض أكاذيب” لن تثني أبوظبي عن مواصلة العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لإنهاء الحرب، تصريحات قرقاش أثارت موجة جديدة من الجدل، خاصة في ظل الوثائق والشهادات التي تتعارض بشكل مباشر مع ما ذهب إليه المسؤول الإماراتي.

أدلة دامغة:
وبإجماع متابعين لمشهد الحرب في السودان، فإن وصف قرقاش للاتهامات الموجهة للإمارات بتورطها في حرب السودان بأنها محض أكاذيب، يتناقض تماماً مع ما نشرته صحف عالمية مرموقة مثل الغارديان والتايمز البريطانيتين، وول ستريت جورنال،”فورين بوليسي الأمريكيتين، وغيرها، عن تورط الإمارات وتأجيجها نار الحرب الدائرة بالسودان، وأن لنظام أبوظبي دوراً رئيساً في استمرار القتال خدمة لمؤامراته، وبجانب الصحف البريطانية والأمريكية، كشفت تقارير لخبراء الأمم المتحدة، أدلة واضحة حول الإسناد العسكري الإماراتي لميليشيا الدعم السريع، وشملت هذه الأدلة رصدَ رحلات جوية منتظمة من مطار أبوظبي إلى تشاد ثم إلى مناطق العمليات داخل السودان، إضافةً إلى شحنات أسلحة وآليات عسكرية تم العثور عليها بحوزة ميليشيا الدعم السريع وتحمل علامات تصنيع إماراتية
كما استندت الحكومة السودانية، في مذكرتها المقدمة لمجلس الأمن، إلى أدلة تتضمن بطاقات وهويات لضباط إماراتيين قُتلوا داخل مسارح العمليات، هذه الحقائق، التي أصبحت معروفة لدى المجتمع الدولي، أدت إلى موجة تضامن واسعة مع السودان عقب المجازر التي شهدتها مدينة الفاشر نهاية أكتوبر الماضي، ما جعل النفي الإماراتي محلّ شك وتساؤل.

بلا مضمون:
وبحسب مسؤولين سودانيين فإن المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش قد تجاهل جوهر الأزمة المتمثل في استمرار الدعم الإماراتي المالي واللوجستي لميليشيا الدعم السريع، وذلك عندما طالب بضرورة إيقاف العنف فوراً ومحاسبة المتورطين فيه، وظل السودان يطالب الإمارات مراراً وتكراراً بضرورة الكف عن تسليح وتمويل الميليشيا المتمردة، وإيقاف تدفق المرتزقة القادمين من دولٍ إقليمية ومن كولومبيا، وترى الحكومة السودانية أن استمرار هذا الدعم الإماراتي لا يطيل أمد الحرب فحسب، بل يعمّق دائرة العنف، ويضاعف من أعداد الضحايا، ويُبقي السودان رهينةً لمجازر وانتهاكات تُنقل من مدينة إلى أخرى، وبالتالي فإن حديث قرقاش عن وقف الحرب، يبقى بلا مضمون ما دامت الإمارات تواصل دعم أحد أطراف هذه الحرب بصورة مباشرة وممنهجة.

مفارقة عجيبة:
وأما المفارقة العجيبة والتي تدعو إلى السخرية والتهكم في تصريحات السيد أنور قرقاش، فتتجلى بوضوح في مطالبته بمحاكمة المتورطين في الحرب، حيث يرى محللون سياسيون أن هذه الخطوة تتناقض مع واقع الاتهامات الموجهة إلى حكومة أبوظبي نفسها، منوهين إلى ما شهدته عديد العواصم في أوروبا وأمريكا الشمالية من مواكب وتظاهرات لسودانيين طالبوا بمحاكمة رئيس الأمارات محمد بن زايد أمام المحكمة الجنائية الدولية، باعتباره المسؤول الأول عن دعم ميليشيا الدعم السريع التي ارتكبت جرائم واسعة ضد المدنيين في الفاشر، وبارا، إضافةً إلى جرائم بشعة كانت ارتكبتها ذات الميليشيا في الجنينة بغرب دارفور، وفي ولايتي الجزيرة والخرطوم، ويستند المحتجون في مطالبهم إلى سلسلة من التقارير الدولية التي وثّقت عمليات قتل جماعي وتهجير وترويع واعتداءات ممنهجة، أسهمت في وقوعها الإمارات بتمكينها للميليشيا المتمردة بالسلاح والعدة والعتاد.

الهروب إلى الأمام:
ويصف محللون سياسيون ما جاء في تصريحات المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، بالمحاولة الإماراتية البائسة واليائسة للهروب إلى الأمام في لحظة تزايدت فيها الضغوط الدولية، وتكاثرت فيها الأدلة التي لا يمكن تجاوزها، خاصة عقب اجتياح ميليشيا آل دقلو لمدينتي الفاشر وبارا، وما ارتكبته فيهما من مجازر هزت ضمير العالم، إن تصريحات أنور قرقاش، وفق التحليل المنطقي، ليست سوى محاولة “اللعب على الذقون”، إذ لا يمكن سياسياً ولا قانونياً ولا حتى أخلاقياً أن تجمع الإمارات بين دور الطرف المتهم ودور الداعي للسلام في الوقت ذاته، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا يمكن لمن يدعم ويمدّ أحد أطراف الحرب بالمال والسلاح أن يقدم نفسه وسيطاً محايداً أو طرفاً حريصاً على إيقاف العنف.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر،، فقد تكشف تصريحات أنور قرقاش عن مأزق حقيقي تعيشه الدبلوماسية الإماراتية في الملف السوداني، إذ لم يعد بالإمكان التوفيق بين الإنكار العلني والدور العملي الواقع على الأرض، ومع استمرار الحرب واتساع دائرة الضحايا، تتجه الأنظار نحو المجتمع الدولي، الذي يملك وحده القدرة على إلزام الأطراف المتورطة بوقف دعم الحرب، وفتح الطريق أمام سلام حقيقي في السودان، ولعل الحقيقة التي تبدو الآن واضحةً كالشمس في كبد السماء، تفيد: أنه لا يمكن إنهاء الحرب دون وقف مصادرها، ولا يمكن أن يكون صانع الأزمة جزءاً من الحل.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى