مقالات

رقصة على الأنقاض: عندما يهتف بعض الرعاع للديمقراطية في أم درمان.. والرجال تحمل السلاح

 نقطة سطر جديد

د. حيدر البدري

 

ِ. في مشهد مخزٍ يرقى إلى مستوى الكاريكاتير المأساوي، خرجت مجموعة من “مُنظري المقاهي” و”ثوار الكيبورد” في أم درمان أمس، يحملون أوهاماً باسم “ثورة ديسمبر”المشؤومة وينشدون الديمقراطية والمدنية، بينما يحاول الرجال اعادة بناء عاصمة الوطن. ومحاولة ترميم ما دمرته المليشيا واعوانها وجناحها السياسي وربان ثورة ديسمبر البائسة هذه.

صراحة امر مقيت وقبيح.. ودفتر شعارات بالٍ في زمن النار والحديد

فبينما يقاتل رجالٌ حقيقيون على الجبهات لصدّ زحف المليشيات التي تهدد كيان الوطن، نرى “فرسان الصالونات” و”أبطال التغريدات” يخرجون في مسيرة هزيلة، كأنهم في نزهة سياسية. يحملون ذات الشعارات البالية التي عفا عليها الزمن: “حرية” و”سلام” و”عدالة”! كأن خمس سنوات من الدمار لم تكفِ لفتح أعينهم على حقيقة أنهم كانوا أدوات في لعبة كبرى لم يفهموا قواعدها.

لقد نسَوا – أو يتناسَون – أن هذه الثورة المباركة” هي التي فتحت الباب على مصراعيه للفوضى، وسلّمت زمام الأمور لمن لا يحملون للوطن إلاّ مشاريع التفتيت والدمار. كانوا يهتفون “يسقط يسقط العسكر”، واليوم يصرخون من رعب المليشيات التي أتتهم على طبق من شعاراتهم الجوفاء.

إن البحث عن الخلاص في ساحة الخراب امر يثير التعجب. و

الأكثر سخفاً في هذا المشهد هو الانفصال التام عن الواقع. . يتحدثون عن الديمقراطية والعلمانية وكأنهم في إحدى جامعات أوروبا، وليس في بلد تشتعل فيه الحرب. يطلبون “الحكم المدني” بينما تحتاج أم درمان وأختاها في الخرطوم وبحري إلى حكم عسكري من نوع آخرِ حكم الرصاصة الصادقة والذخيرة التي لا تخون.

يقولون “ستجدون ذلك في مناطق المليشيا”، نقول لهم: اذهبوا أنتم إلى تلك المناطق التي تدافعون عن شعاراتها! اذهبوا إلى حيث “الحرية” التي تنتظركم بسنابل الرصاص، وإلى حيث “الديمقراطية” تترجم نفسها عبر نهب المنازل وتشريد العائلات. ستجدون هناك ضالتكم المنشودة.

وأم درمان، الحصن الذي حرّره الشهداء بدمائهم الزكية ، تتحول اليوم إلى ساحة لمسرحية هزلية يخرج فيها من نسميهم “شباباً” (مع اعتذار لكل شاب غيور يفهم معنى الوطن والمسؤولية). أم درمان التي قاومت المستعمر، وتصدّرت المشهد الوطني، تُستغل اليوم من قبل مجموعة صغيرة تائهة بلهاء تبحث عن “الإعجابات” و”المشاركات” في عالم وهمي، بينما الواقع يحترق حولهم.

 

هؤلاء الشباب الموهومون اصحاب البناطلين الناصلة.. والشعر المجدول

لطالما رفضوا الربط بين “ثورة الخراب” هذه وبين الحرب المشتعلة اليوم. يرفضون رؤية أن الفوضى المنظمة التي أتت بعد إسقاط النظام كانت التمهيد الطبيعي الصراع السلاح الذي نراه اليوم. دمروا مؤسسات الدولة باسم “التغيير”، وسلّموا البلد على طبق من ذهب لقوى الظلام، والآن يريدون أن نصدق أنهم “منقذو الوطن”!

يحتفلون بذكرى “انتصار ديسمبر” وكأنهم يحتفلون بانتصار كرة قدم، بينما النتيجة الحقيقية لهذا “الانتصار” هي: بلد منقسم، اقتصاد منهار، ومليشيات تتحكم بمصير الملايين. أي انتصار هذا؟.

: استيقظوا من الغفلة

يا من تسمون أنفسكم “شباب الثورة”، الوطن ينزف ولا يرقص . أم درمان تنتظر اعادة البناء ولا تحتاج لمن يهتف بشعارات فارغة. لقد جربتكم السنوات الخمس الماضية ووجدتكم خاويي الوعي، مليئين بالشعارات، فقراء بالفعل.

السخرية الحقيقية هي أن تبحثوا عن حلول في نفس المكان الذي أوصلنا إلى الهاوية. الوطن اليوم يحتاج إلى أيدي تبني لا إلى أصوات تهدم، إلى قلوب تحب لا إلى ألسنة تسب، وإلى رجال يفهمون معنى المسؤولية لا إلى “رعاع” يبحثون عن مكان في الصورة.

إن من تسبب في المشكلة لا يمكن أن يكون جزءا في حلها”. فكفاكم وعياً مزيفاً، وكفاكم تدميراً باسم التحرير. والشهداء دماؤهم أثمن من أن تهدر في ساحات عبثكم.

شاهت الوجوه.

نقطة سطر جديد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى