مقالات

زيارة البرهان الخاطفة لمصر .. ماذا هناك ..؟

حيدر التوم خليفة

بالامس قام الرئيس البرهان بزيارة خاطفة وليست مفاجئة الي مصر ، ومع انها سريعة ، *الا انه ليست منبتة ، فهي مبرمجة منذ فترة* ، وتحديداً منذ ان قام وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بزيارة سريعة لبورتسودان في الاول من اكتوبر الجاري ، واعلن في تصريحات صحفية انه *يحمل دعوة من الرئيس السيسي للرئيس البرهان لزيارة القاهرة* ..

هذا يعني ان *هدف ومطلوبات ومخرجات زيارة البرهان بالامس* ، (وما بين الفترة بين قدوم وزير الخارجية المصري للسودان ورحلة البرهان للقاهرة) ، *تم الاعداد لها جيداً* ، وانها جاءت فقط *لوضع اللمسات الأخيرة ، لخطة اُتُفق عليها لحل الصراع السوداني الحالي*، تُعنَي بانخراط السودان في مباحثات الرباعية بصورة اعمق ، مع *التزام موجب وواضح بمخرجاتها* ، خاصة وان مرافقي البرهان هما وزير الخارجية ومدير جهاز الامن ، *وهو امر له مدلولاته ، والي ماذا يشير* ..

ولم يرشَح عن جدول الزيارة *شئ واضح* ، مما فتح الباب امام التكهنات التي اطلقها البعض ، استناداً الي *إصطفافهم السياسي وليس للواقع الفعلي والحقائق المخفية* ، فربما حدث *لقاءً بين البرهان وحمدوك* ، كبادرة حسن نية ، ولكنه امر *لا نستطيع الجزم به* ..

ونتيجة لهذا *الواقع الضبابي* ، احتفت كثير من *الاقلام المحسوبة علي التيار الاسلامي ، بفشل الزيارة حسب المعطيات الظاهرة* لديهم ، وأن *البرهان لم يلتقي حمدوك* ، تنفيذاً لما فاح من اخبار شبه مؤكدة في الايام السابقة ، عن لقاء مرتقب بينهما ..

وبدأت بعض الاقلام *تطلق تعليقات فطيرة ، وكتابات رغائبية لا تحمل اي عمق تحليلي* ، محاولة تسويقها لتأكيد فشل الزيارة ، متناسين تماماً ان الزيارة لم يعقبها ، *مؤتمر صحفي بين الرئيسين او يصدر عنها بيان ثنائي شافي* ، وانما صدر بيان قصير من الخارجية المصرية ، اقرب منه الي تصريح صحفي مقتضب ، الامر الذي يعني ان الجهتين *لا يريدان كشف ما دار خلالها من احداث* ، او إيضاح *الهدف الاخير لها ، حفاظاً علي استمرارية جهود الرباعية ومطلوباتها وغاياتها النهائية* ، اي ان *السرية هنا مطلوبة*، وربما تكون *شرطاً وضعه احد الاطراف* ..

ومن جانب اخر فان العديد من المتابعبن ، يرون ان هناك *الكثير المثير الذي يجري في الخفاء* ، وليس كل الفِعال تُكشف في عالم السياسة كما يقال …

لهذا يجب ان يعلم هؤلاءِ الذين يتحدثون عن *فشل الزيارة اعتماداً علي معطيات الظاهر ، متجاوزين للواقع الخفي* ، ان البرهان لم يذهب الي السيسي *ليعتذر له ويبلغه بانه لن يقابل حمدوك ويعود* ، ، فالامر وان لم يحدث ، فهو اكبر من هذا اللقاء ، واكيد ان ما خفي اعظم ، مستصحبين هنا *وجود مسعد بولس مبعوث ترامب بالقاهرة* ، وهو المعني بمتابعة وتنفيذ *الخطة الأمريكية المتدثرة بالرباعية* ، لحل الازمة السودانية ، اي ان الامر *متعلق اولاَ واخيراً بجهود الرباعية* ، ومساعيها لوضع حد لهذه المشكلة ، وليس *بلقاء حمدوك* ..

ولأخذ رؤية اوسع وأشمل ، يجب *ربط هذه الزيارة بتحركات دولية اخري ، وبسياسات بدأت ادارة ترامب في تبنيها* ، متمثلا ذلك في دورها الحاسم في حل مشكلة الكونغو ورواندا ، ووقف الحرب الهندية الباكستانية ، والحرب الإسرائيلية الإيرانية ، والتدخل بقوة في حرب الروس والاوكران ، إضافة الي حرب غزة اخيراً ، مع ملاحظة ان هناك *جهات بدأت تنشط ايضاً مع الرباعية ، حفاظاً علي مصالحها المستقبلية* ، في السودان ، مثل *الاتحاد الأوروبي ، الذي عيّن مندوباً خاصاً* له للسودان قبل ايام …

المشهد يفيد بان هناك *حراك سياسي اقليمي ودولي كثيف. تتصدره الرباعية* ، لحل المشكل السوداني ، عبر *تفاهمات* ، ربما تكون *نتائجها النهائية ، غير مرضية ، لجهات عديدة داخلية وخارجية مؤثرة حاليا* في المشهد السوداني ..

والبرهان يعلم تماما قوة المجتمع الدولي ، *والزخم الذي بدأت تكتسبه الدبلوماسية الأمريكية المدعومة بالقوة* ، والتي يتصدرها *متابعةً وتنفيذاً ، الرئيس الأمريكي شخصياً* ..

كما يدرك فقدانه للكثير من حيل القفز المتوالي ، وتلاعبه بالجميع ، تجنباً لدفع استحقاقات السلام ، وان العديد من اوراق الضغط *تسربت* من بين يديه ، بعضها بفعل *الاستهلاك والاستخدام المتكرر* لها ، وبعضها بفعل *التغيرات الدولية* ، وبعضها *بفقدان ، اهميته* ، مثل التلويح *بتعميق العلاقة مع ايران ومنحها موطئ قدم في البحر الأحمر* ، او تسريع خطوات *توقيع اتفاق القاعدة الروسية* قرب بورتسودان ، او *الوجود العسكري* للقوات السودانية جنوب المملكة ضمن معركة الحزم ، كل هذه الأدوات *فقدت اهميتها حالياً او ضعفت* ..

كما يدرك *هشاشة الوضع الداخلي* ، ويعرف حتي *بالمعايير العسكرية* ، ان الانتصارات الاخيرة للجيش يمكن *عكسها عسكرياً* في فترة وجيزة ، وذلك *باعادة تسليح الدعم بصورة متعاظمة كماً ونوعاً* ، مع كف ايادي *مصر وتركيا وقطر الداعمة له* ، اضافة الي زيادة *الضغوط السياسية* عليه عبر مجلس السلم والامن الافريقي ، وزيادة *العقوبات وتوسيعها* ، لتشمل مناحي جديدة ، *وتركيز حملات اعلامية* قاصمة ضد النظام ، *واستخدام وتوظيف منظمات غربية مأجورة ، فاعلة في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني* ، وفتح ملفات تم اعدادها مسبقاً للضغط علي النظام ، مثل *استعمال الاسلحة الكيميائية ، وقصف المدنيين ، والاعدامات الميدانية للمتعاونيين* ، وتوظيف علاقته بايران وارتباط ذلك *بقضايا الارهاب والتسليح*، وهم لا يعدمون مثل هذه السبل والوسائل والتبريرات ، *فكيسهم مثل جراب الحاوي* ملئ دائماً بالمفاجئات ..

هذا اضافة الي *تفاعلات الداخل ، ونتائج الحرب الحالية ، وكيفية توظيفها النهائي* ..

وكمثال ، انا علي ثقة بان الجيش لديه المقدرة *علي رفع الحصار عن الفاشر في فترة لا تتعدى اسبوعا* واحداً ، ولكن هناك *اسباب داخلية معقدة* تمنعه من ذلك ، *فتحريرها اليوم بدون وجود اتفاق سياسي شامل* ، سيقود الي *خلق جغرافيا سياسية* جديدة ، *تعيد انتاج دعم سريع جديد عماده المشتركة وحركات الزرقة المسلحة* وهو آخر ما يرغب فيه الجيش ..

والبرهان يدرك تماماً ان الوضع *اعقد مما يتصور الكثيرون* ، خاصة مع تعدد *الفاعلين الخارجيين والداخليين* ، وتباين *منطلقاتهم واهدافهم* ، وان العديد منهم تحركه *المكاسب الشخصية* …

وواضح ان البرهان اليوم ، *يمشي حافياً بين الاشواك ، وراقصاً بين الافاعي الذئاب* ، ولكن ما *اخطر الرقص مع الافاعي ، والعواء مع الذئاب* …

*حيدر التوم خليفة*
١٦ اكتوبر ٢٠٢٥

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى