الأعمدةشيئ للوطن

شفافية بلا حواجز: حق المعرفة في عصر الذكاء الاصطناعي والإدارة الإلكترونية

شئ للوطن

م.صلاح غريبة – مصر

Ghariba2013@gmail.com

يحتفل العالم، وتحديداً الوسط التكنولوجي، باليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات في 28 سبتمبر من كل عام، وهو يوم ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو دعوة صريحة ومستمرة لتأكيد حق أساسي من حقوق الإنسان: الحق في الحصول على المعلومات. ومع تسارع وتيرة التطورات التقنية التي يشهدها عصرنا، لا سيما صعود الذكاء الاصطناعي (AI) وانتشار الحوكمة الإلكترونية (E-Governance)، يصبح الاحتفاء بهذا اليوم أكثر أهمية وإلحاحاً، فهو يمثل فرصة سانحة لمناقشة كيفية توظيف هذه الأدوات الجديدة لتعزيز هذا الحق، وفي الوقت ذاته، مواجهة المخاطر التي قد تهدده.

لقد أثبتت الإدارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي أنهما لاعبان أساسيان في تعزيز الوصول إلى المعلومات في عالمنا الرقمي. الإدارة الإلكترونية تسمح بتقديم خدمات فورية وأكثر كفاءة في القطاع العام، مما يعزز الشفافية ويسهل الوصول. أما الذكاء الاصطناعي، بقدرته على تحليل البيانات الضخمة وتصميم معلومات مخصصة، فإنه يساهم بشكل فعال في سد الفجوة الرقمية، حيث يمكن للمواطنين الحصول على معلومات مصممة خصيصاً لاحتياجاتهم. هذه التقنيات، إذا ما تم تطبيقها بحكمة ورشادة، تعد بعهد جديد من الحكم الرشيد القائم على الوضوح والمساءلة.

ومع ذلك، فإن مناقشات اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات هذا العام تسلط الضوء على ضرورة عدم إغفال مخاطر هذه الأدوات. ففي ظل التطور السريع للذكاء الاصطناعي، تبرز تساؤلات حول التحيز في الخوارزميات، وأمن البيانات، وإمكانية خلق “صناديق سوداء” معلوماتية يصعب فهم آليات عملها، ما قد يقوض الشفافية بدلاً من تعزيزها. لذا، من الضروري وضع مبادئ توجيهية وأفضل ممارسات لضمان أن تبقى هذه التقنيات خادمة للحق في المعرفة وليست قيداً عليه.

إن الحق في الحصول على المعلومات يكتسب أبعاداً حاسمة عند الحديث عن المواد الإخبارية والأحداث الجارية. في زمن أصبح فيه انتشار المعلومات المضللة (Disinformation) والأخبار الكاذبة (Fake News) سهلاً وممكناً بفضل الأدوات الرقمية، وخصوصاً الذكاء الاصطناعي القادر على توليد محتوى واقعي ومقنع، تصبح الشفافية في المعلومات الإخبارية هي صمام الأمان الوحيد.

يجب على المؤسسات الإعلامية والحكومات والقطاع الخاص أن تلتزم بأعلى معايير الوضوح والنزاهة في نشر المعلومات. وهذا يتطلب المصداقية المطلقة بتوضيح مصادر الأخبار وتجنب التعتيم أو التلاعب بالحقائق، بجانب سهولة إمكانية الوصول وضمان أن تكون المعلومات الهامة، خاصة المتعلقة بالأحداث والأزمات، متاحة للجميع بغض النظر عن خلفياتهم أو إمكانياتهم التكنولوجية، وإنشاء آليات واضحة تتيح للجمهور مساءلة المؤسسات عن دقة وموضوعية المعلومات المقدمة.

إن الشفافية هنا ليست مجرد ميزة إضافية، بل هي ضرورة ديمقراطية. فبدون معلومات دقيقة وشفافة، لا يمكن للمواطن اتخاذ قرارات مستنيرة، ولا يمكن للمجتمع محاسبة السلطات، وينهار أساس التنمية المستدامة والمؤسسات الفعالة التي أشار إليها موضوع اليوم الدولي.

إن تحقيق هذا الحق يتجاوز الحدود الوطنية، ما يبرر الدعوات لـ التعاون الدولي في مجال تطبيق الحق في المعلومات. في هذا السياق، تلعب منظمات مثل اليونسكو دوراً محورياً من خلال برامجها الدولية كـ البرنامج الدولي لتنمية الاتصال وبرنامج المعلومات للجميع. هذه البرامج توفر منبراً وإطاراً للمناقشات حول السياسات والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالانتفاع بالمعلومات. كما أنها تعمل على تنفيذ مشاريع ترمي إلى تعزيز العلم المفتوح، والتعدّدية اللغوية، ودعم الفئات المهمشة وذوي الإعاقة، وهي خطوات عملية لسد الفجوة الرقمية والمعلوماتية وتحقيق الدراية الإعلامية والمعلوماتية للجميع.

وفي الختام، يمثل اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات فرصة لتجديد الالتزام بأن تكون المعلومات قوة تمكينية للجميع. إن الطريق لتحقيق الشفافية بلا حواجز يتطلب أكثر من مجرد قوانين؛ إنه يتطلب إرادة سياسية، ووعي مجتمعي، وتطبيقاً مسؤولاً للتكنولوجيا. يجب أن نعمل جميعاً لضمان أن يكون عصر الذكاء الاصطناعي والإدارة الإلكترونية هو عصر المعرفة المفتوحة، حيث يكون الحق في المعلومة حقاً متاحاً ومصاناً للجميع، لا امتيازاً يقتصر على فئة دون أخرى.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى