
كمْ نَظَمْتَ معاني في مَحَاسنك دُر
من أعلي المنصة
ياسر الفادني
أغنية (لي غرام وأماني) للشاعر علي حامد البدوي ولحن وغناء الراحل أحمد المصطفى، تمثل لوحة فنية متكاملة، تلتقي فيها الكلمات الملهمة مع اللحن الساحر لتخلق تجربة سمعية وبصرية متخيلة، تعكس روح السودان وجماله الطبيعي والنفسي، الكلمات تنبض بالعشق الصادق للوطن، متخيلة في كل حرف صورة من سمو الأرض وعزة الإنسان السوداني، الشاعر إستخدم لغة موسيقية بلاغية متقنة، حيث التكرار في لي غرام وأماني يخلق جسرًا بين العاطفة والهوية الوطنية، ويضفي على النص تنغيمًا شعوريًا يشد المستمع منذ البداية، الأسلوب البلاغي يتسم بالتصوير الفني الرقيق، كقول الشاعر “كم نظمت معاني في محاسنك در، كم نشرت بياني في بدايعك نور”، وهو تصوير يمزج بين الغزل الوطني والتقدير الفني، مؤسسًا لجمالية لغوية تتناغم مع المعنى
الجانب اللحني للأغنية يعكس براعة أحمد المصطفى في المزج بين الموسيقى السودانية الأصيلة والمقامات العربية الرفيعة، حيث تتدرج الألحان بين سلالم صوتية مرتفعة ومنخفضة، مستغلة الصولات الموسيقية لتقديم إحساس متجدد بالحماسة والرومانسية الوطنية، اللحن يعطي للكلمات عمقًا إضافيًا، يجعلها تنبض بالحياة، ويتيح للمستمع أن يعيش تجربة انغمارية في جمال الأرض والشعب، الصوت الدافئ لأحمد المصطفى، المتميز بالنقاء والمرونة، أسهم في إختراق الأغنية لكل وجدان سوداني، فقد إستطاع أن ينقل من خلال نبراته كل شعور بالعشق للوطن والفخر به، حتى أصبح للصوت وحده قدرة على إستدعاء الحنين والانتماء
كما أن البناء الموسيقي للأغنية يعكس توازنًا دقيقًا بين الجمال الصوتي والمعنى الشعوري، فالتموجات اللحنية ترفع المشاعر في المقاطع الوطنية، ثم تهبط برفق في لحظات التأمل والتقدير، في انسجام كامل بين العقل والعاطفة، إستخدام مقامات متقدمة وفنية يعكس رقي الفنون السودانية وقدرتها على التعبير عن أعمق المشاعر بأسلوب راقٍ يتجاوز مجرد الكلمات لتصبح تجربة سمعية وجدانية متكاملة
إني من منصتي أستمع …حيث أحس إحساسا صادقا ….. أن الأثر الذي خلفته الأغنية في وجدان الشعب السوداني لم يأتِ من كلماتها أو لحنها وحده، بل من التفاعل بينهما وبين صوت الفنان، الذي أضاف بعدًا إنسانيًا وروحيًا للأغنية، جعلها جزءًا من الهوية الثقافية السودانية، تذكر كل من يسمعها بعظمة الأرض وروعة الإنسان السوداني، وتغرس في النفوس قيم الإنتماء والعزة والفخر. (لي غرام وأماني) ليست مجرد أغنية، بل هي مرآة للإبداع السوداني في أبهى صوره، تجسد الحب والفخر والانتماء في سيمفونية واحدة خالدة.