
تأملات
جمال عنقرة
مستشفيات مكة .. شهادة غير مجروحة
السودانيون لديهم قول غريب، فإذا أراد احدهم ان يحدثك عن شخص يعرفه. او تربطه به صلة ما، يقول لك شهادتي فيه مجروحة، فهذا منطق غير سليم، فالشهادة المجروحة تلك التي تكون بغير علم ولا معرفة، وعندما اكتب عن مستشفيات مكة للعيون، وعن مؤسستها، مؤسسة البصر الخيرية، وعن مؤسسها ورئيس مجلس ادارتها الدكتور العاص احمد كامل، وعن العاملين فيها، فان شهادتي فيهم غير مجروحة، ذلك أني اعرفهم جميعا، طولا وعرضا وعمقا.
فالدكتور العاص اعرفه واعرف كل امتدادات أسرته، والده مولانا احمد كامل القانوني الضليع والإسلامي الرائد في عروس الرمال الابيض ابو قبة فحل الديوم، واقول للتاريخ ان موقع مستشفي مكة الان في الأبيض هو ذات موقع بيت
مولانا احمد كامل في حي الموظفين في الابيض عندما كان يشغل منصب رئيس النيابة هناك، ولقد خصصه مولانا احمد هارون لمستشفي مكة عندما كان واليا لولاية شمال كردفان علي أيام نفير نهضة الولاية (موية طريق مستشفي .. والنهضة خيار الشعب) واعرف عمه القانوني مولانا العاص، وكنا نطلب البركة من عمه البركة فيصل (عديلة) وأهل الابيض يعرفون صلاتنا مع أعمامه كشولا اخوان، عثمان والشيخ حمودي والشهيد محمود والحبيب ابوبكر (كير) وشقيقتهم حسنات وأصهارهم ال بر، ولم تقف الصلة مع ابن عمه أنس الزين عبد القادر عند ذاك الحد العميق الذي بدأ غرسه الأول في عروس الرمال وشمل كل أطراف الاسرة هناك، ولكنه تمدد وصارت فروعه في البقعة مبروكة الإله والدين أورق واورف من جذورها في كردفان، فبيت عمهم دباغ في حي الركابية والكاشف صار احد بيوتنا، وتمددت العلاقة فشملت اخوانه سيف وأحمد وشقيقتهم يمن والدة صديقنا الدكتور بهاء الدين محمد ادريس وزير رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس المشير جعفر محمد نميري، وتمتد الي اصهارهم ال مبارك وال حاج عثمان، وتصعد الي حبوبتهم الحاجة عائشة بنت حاج عثمان، اصل هذه العلاقة وساسها، فعندما كان حاج عثمان عمدة لمدينة بارا في ثمانينيات القرن قبل الماضي كان جدنا الأمير النور بك عنقرة قائداً لحامية بارا، برتبة الاميرالاي وشهد ذاك العهد واقعة تاريخيّة مهمة، هي معركة اسحف التي انقذ فيها النور عنقرة قبيلة الجوابرة من إبادة جماعية عندما هجم عليهم نهابون واختطفوهم، فقاد البك الفزع وأباد الهابين تماما، فغنت له بحر النيل أغنيتها المشهورة ، وا ناري الما بقدرو، احمر عين هز فيكم من شايبكم لي صبيكم .. احمر عين جاكم بالبندقية وفناكم بيها فنية، وغنت فيها كلتوم بت نقد الله الجابرية لشقيقها عمر بعد ان نجح في مهمة توصيل النساء الي خندق الفيقر التي كلفه بها النور بك عنقرة، فغنت له يسلم لي خال فاطمة البدرج العاطلة، ولما جاء النور بك من بارا لمبايعة الامام المهدي وهو يحاصر مدينة الأبيض جاء معه الحاج عثمان وعدد من أعيان بارا، وكان ذلك سبب انهيار حكومة الأبيض واستسلامها، ومن هناك انطلقت رحلتهم مع المهدي ختي تحرير الخرطوم الأول في السادس والعشرين من يناير عام ١٨٨٥م،وهذا بعض ما يلي علاقتي بالمؤسس الدكتور العاص احمد كامل
اما علاقتي بالمؤسسة فتنطلق من علاقتي بالمؤسس، أتابع تفاصيلها واهتم باخبارها وأتصرف فيها تصرف المالك، فالمؤسسية تمددت ووصلت لأكثر من خمسين دولة افريقية وآسيوية استفاد منها عشرات الملايين من مواطني هذه الدول، واجرت ملايين العمليات بأسعار رمزية،
وعرف عن دكتور العاص اهتمامه بالتدريب والتأهيل فكانت مكة اول مستشفي تبعث أطبائها للتدريب والتخصص في الخارج، فبدا بابتغائهم اولا الي مصر للتدريب ثم الي امريكا للتخصص الدقيق، فصار فيها اشهر وأمهر أطباء العيون في التخصصات الدقيقة، واذكر قبل نحو شهر او يزيد قليلا شعر اخي الشريف الدكتور علي يوسف وزير الخارجيّة بألم في عينيه، فذهبت معه الي مستشفي مكة بورتسودان واجروا له عملية في الشبكية، فلما سافر مصر راجع احد أطباء العيون المشهورين، فراجع العين وقال له (مافيش احسن من كده) وذات العبارة (ما فيش احسن من كده) قالها له استشاري روسي في موسكو، فقط قالها له بالروسي.
ويوم امس الأول راجعت مستشفي مكة في بورسودان وقرر بروف الفاتح عملية حقن سريعة إلا ان مادتها غير موجودة في بورسودان وهنا التقط دكتور العاص القفاز وقال لي (احسن تمشي عطبرة تلقي ولدك عمرو يعملها ليك) وعمرو هو الابن الأكبر لدكتور العاص، فاعجبتني الفكرة، فاخر عهدي بالابن عمرو بن العاص عندما كان خريجا حديثا، وسمعت بعد سنوات انه تخصص في الشبكية وصار استشاريا بارعا، فكانت بالنسبة لي فرصة
طيبة لمعرفة ما استجد.
المفاجاة الأولي بالنسبة لي كانت المستشفي التي قامت علي صرح فخيم يضاهي كل مستشفيات العيون التي شاهدتها، ثم عمرو بن العاص، واقول ما شاء الله الحوار غلب شيخه، ثم طاقم المستشفي، يا هم عيال مكة .. عيني باردة .. الدكتور علياء المدير الطبي، والشياب احمد وايهاب وهلم جرا .. وبشراك بهم جميعا اخي العاص، وبشري السودان بكم أهل مكة الكرام.