الأعمدةمن أعلي المنصة

مشروع الجزيرة …لا يُدفن في الأدراج ولا يُمحي من الذاكرة  

من أعلي المنصة

ياسر الفادني

مشروع الجزيرة لم يكن مجرد مشروع زراعي، بل كان أيقونة إقتصادية و إجتماعية، وركيزة من ركائز السودان في عزه وإشراقه، لكنه للأسف تعرض لتدمير ممنهج على أيدي الأوباش حين إستباحوا أرض الجزيرة، فقتلوا بذوراً محسنة كانت تختزن سنوات من الخبرة والتجارب، وبددوا جينات تقنية محصولية كان يمكن أن تقود السودان إلى مصاف الدول المتقدمة زراعياً، الخراب لم يكن صدفة ولا عابراً، بل كان خطة مدروسة تستهدف شل قلب الإقتصاد الوطني وإفراغ البلاد من قوتها

 

ورغم قسوة هذه الضربة، فإن مشروع الجزيرة اليوم يسير بخطى قد تبدو متواضعة قياساً بالخراب الذي حل به، لكنها خطوات مبشرة بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والحرب المدمرة التي أكلت الأخضر واليابس، غير أن الحقيقة تبقى أن الدور الرسمي وحده لا يكفي لإعادة مشروع الجزيرة إلى سيرته الأولى، بل لا بد من دور شعبي مضاعف، وهذا ما جسدته المقاومة الشعبية عبر الإسناد المدني الذي إنخرط في عمليات إعادة التأهيل والتعمير

اللقاء التفاكري الذي انعقد بالأمس كان مثالاً حياً لهذا التكاتف الشعبي لقاء جمع خبراء وعلماء ومديري أقسام وضالعين في العمل الزراعي، وتحوّل إلى ورشة عصف ذهني مهمة أنتجت توصيات تستحق أن تكون أمام ناظري محافظ مشروع الجزيرة لا أن تُدفن في الأدراج

 

المقاومة الشعبية أثبتت أن دورها لا يقتصر على الاستنفار العسكري وحماية الأرض، بل يمتد إلى البناء والإعمار، من يتابع بتمعن يرى أن الإسناد المدني أنجز الكثير في مجالات حيوية كالكهرباء والمياه، بجهود عظيمة قلّما سلط عليها الإعلام الضوء، بينما ينشغل بتغطية أمور أقل شأناً

التحدي الحقيقي اليوم هو أن تتحول نتائج ذلك اللقاء إلى واقع معاش، لا أن تبقى مجرد خبر عابر أو مناسبة بروتوكولية إنتهت بانتهاء جلستها، كم كنت أتمنى أن يكون والي الولاية مشرفا ومحافظ المشروع حضورا لهذا اللقاء ، بلاشك أن التشريف والحضور يعززان ثقل التوصيات ويمنحهما دفعة أقوى نحو التنفيذ ، لكن المسؤولية لا تسقط، فالمشروع ملك لشعب السودان كله، وعلى الجميع أن يواصل الضغط والمتابعة حتى تتحقق الرؤية

إننا حين نستعيد مشروع الجزيرة، لا نستعيد مجرد مشروع، بل نستعيد رمزاً وطنياً، وأغنية خالدة كنا نرددها بقلوب ملؤها العزم: في الجزيرة نزرع قطنّا… نزرع نتيرب نحقق آمالنا. ولعل الوقت قد حان لأن نغنيها من جديد، لا كذكرى باهتة، بل كحقيقة تعود للحياة بقوة وإصرار.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى