
نظرية الإحتمالات !
من أعلى المنصة
ياسر الفادني
الذين ظنوا أن بإمكانهم إقناع القيادة السودانية بالرضوخ للرباعية الجديدة التي تضم الإمارات، أخطأوا التقدير تماماً، أرادوا أن يلبسوا ثوب الحياد على من لوّثت أياديها بوقود الحرب ودخانها، ولكن الحقائق لا تُجمَّل، والرائحة لا تُخفى بالعطور، الإمارات ليست وسيطاً ولا شاهداً، بل طرف غارق حتى أذنيه في مشروع الخراب، تدعم المليشيا في العلن والسر، وتوزع المال والسلاح كما يُوزَّع الحقد في سوقٍ بلا ضمير
ولأن القيادة السودانية تعرف هذا جيداً، رفضت الرباعية رفضاً قاطعاً، وأعادت قراراتها الأولى والثانية إلى أدراجها ، رفضت لأنها تدرك أن قبولها يعني مصافحة من غرس الخنجر، والجلوس إلى من أشعل النار في دارها ولأنها قيادة تعرف ما تريد، فهي لا تقبل وساطة من يدير الحرب من وراء الستار، ولا تساوم على دماء شهدائها أو سيادتها التي سُقيت بالعزيمة
أما ما تتحدث عنه الأنباء اليوم من ولادة “رباعية جديدة” تضم قطر، والسعودية، ومصر، تركيا فهو الاحتمال الأقرب للعقل والمنطق، لأن هذه الدول الاربع ما زالت تحافظ على الحد الأدنى من الاحترام المتبادل، وتدرك أن الخرطوم لا تُحكم بالضغط ولا بالإملاء، بل بالحوار المتوازن والمواقف النزيهة، القيادة السودانية تحترم هذه الدول، وربما ترى فيها بوادر طريق مختلف، لا يقوم على الخداع ولا على المكاسب الخفية، بل على مبدأ واضح: أن السودان للسودانيين، وأن زمن الوصاية انتهى
دويلة الشر التي أحبطت كل مساعيها، وأخفقت في تسويق وكلائها، بدأت تدرك أن رهانها خاسر، وأن من تموّلهم صاروا عبئاً عليها قبل أن يكونوا ورقة بيدها، فشلت في أن تزرعهم حكاماً، وفشلت في أن تحرق بهم البلاد، وها هي تراقب من بعيد انهيار مشروعها كمن يصب الماء على السراب وهو يظن أنه يروي الأرض
إني من منصتي أنظر …حيث اري… أن الاحتمالات الآن كثيرة، لكنها جميعاً تمر عبر عنق الزجاجة، ولادة سياسية عسيرة، تتطلب شجاعة، وحكمة، وأيدٍ نظيفة لا ترتجف، أما القيادة في الخرطوم، فهي تعرف أن القرار بيدها وحدها، وأن العالم كله مهما احتشد لن يفرض عليها وصاية جديدة، هي تراقب المشهد بهدوء القادر، وتنتظر أن يُولد المولود المنتظر بعد مخاضٍ طويل، مخاضٍ سيُخرج إما سلاماً حقيقياً… أو وهماً جديداً ميتاً قبل أن يبصر النور.