
تأملات
جمال عنقرة
سألني احد الأصدقاء، هل يمكن ان يتحقق توافق وطني بين السودانيين، فقلت له، نعم، لكن لا بد من تفصيل.
لقد كتبت كثيرا عن ان الإقصاء هو سبب أزمات وبلاوي السودان كلها، وضربت لذلك أمثلة كثيرة ابتداء من دولة المهدية، وحتى ثورة ديسمبر ٢٠١٨م، كلها فشلت بسبب الإقصاء، وعدم قبول الآخر، ولئن كان كل ما سبق كوم، فإن ما يجري الان كوم آخر كما يقولون، فهو قد وضع البلد كلها علي حافة الانهيار، هذا إذا لم تكن قد انهارت بالفعل، وما تبقي منها متماسكا بسبب صمود القوات المسلحة، ووقوف كل الشعب بجانبها، مقاتلا وداعما، من بعد فضل الله تعالي.
وبرغم أننا أوشكنا أن نحسم المعركة العسكرية في الميدان، إلا أن المؤامرة لا تزال تتشكل، والعدو الذي تمثله دولة الإمارات يد دولة الكيان الصهيونى في المنطقة، لم تستسلم بعد، ولم تعترف بالخسارة، ولا تود أن تعترف، ولا تود كذلك أن تنسحب من ارض القتال، ولقد استحدثت اخيرا الرباعية التي نصبت امريكا راعية لها، وزينتها بالشقيقتين مصر والسعودية، لتحقق عبرها بالحوار ما فشلت في تحقيقه بالحرب، وحاولت أن تحي منبر الاتحاد الأفريقي مرة اخري لتحقق اجندتها من خلاله، ولكن وعي القيادة العسكرية والسياسية والقوي الوطنية والمجتمعية، والإعلام السوداني الشريف، تصدي لكل تلك المؤامرات وكشف زيفها.
ولكن أقول، ان كل هذا وحده لا يكفي، والنوايا لا تجدي إن لم يتبعها عمل صادق ودءوب، وحاجتنا اليوم قبل الغد إلى مبادرة قوية وجريئة وصادقة وصريحة تقودها الحكومة موحدة ومتحدة، لتوحيد صف أهل السودان علي كلمة سواء، وليس هناك ظرف افضل من اليوم للقيام بهذه المبادرة، فالحرب مهما كانت مساوئها، فلقد وحدت أهل السودان كما لم يتوحدوا من قبل، وان الموقف العسكري الان اشبه بموقف المسلمين قبل دخول مكة فاتحين، فتلك هي لحظات المواقف الحاسمة التي تحقق النصر، وتجعل الناس يلجون إلى كلمة الحق أفواجا.
المطلوب اليوم أن توحد القيادة العسكرية كلمتها، كما وحدت موقفها من الحرب الملعونة، وتضم إلى صفها وكلمتها الواحدة، كل شركاء معركة الكرامة، حركات الكفاح المسلح، القوي الوطنية السياسية وغير السياسية الصامدة، المجاهدون من شباب الحركة الإسلامية وكل شباب السودان، الإدارات الأهليّة الشريفة، النقابات والاتحادات النقابيّة والمهنية الوطنية، ثم يقوم هؤلاء المسنودون بالحق والشعب، يقومون بدعوتهم اخوانهم الذين وقعوا في براثن الفتنة، وخاضوا في ميائها الآسنة، يدعونهم إلى كلمة سواء، ان هلموا إلى حوار جامع داخل ارض الوطن، يخمدون به نيران الفتنة، ويقطعون الطريق علي المتربصين الذي يسعون الى النفاذ من خلال خلافات وشقاقات وصراعات السودانيين، ويستغلون بعضهم لضرب بعض، ثم يضربوهم معا، ويقضون عليهم جميعا، ويستولون علي ارضهم وديارهم وخيراتهم، والكل في انتظار السيد البرهان لإطلاق صافرة الانطلاق، وبالله التوفيق والسداد.