
تأملات
جمال عنقرة
تشرفت اليوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر مايو عام ٢٠٢٥م برئاسة الجلسة الأولي في اليوم الثاني لورشة مناقشة مقترحات تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة ٢٠٠٩م التي نظمها المجلس القومي للصرافة والمطبوعات الصحفية بإشراف وزارة الثقافة والاعلام، برعاية نائب رئيس مجلس السيادة السيد مالك عقار، وسعدت بالمشاركة في مناقشة ورقة اليوم بصفتي الصحفية، وكانت الورقة بعنوان “الموازنة التشريعية بين حرية الصحافة وحماية الأمن القومي وصيانة قيم المجتمع” قدمها الخبير الاعلامي الضابط العظيم العميد م دكتور عبد العظيم نور الدين، وابتدر مناقشتها الخبير الاعلامي الاذاعي الدكتور عبد العظيم عوض، وشهدت الجلسة حوارا مستفيضا حول ما تناولته الورقة، وما لم تتناوله، وكانت مشاركتي إشارة في حدود ما يسمح به زمن المداخلة حول ما لم تتناوله الورشة في يوميها الإثنين، وما أراه أجدر بالتناول من كثير مما ورد، وهو دور الدولة في صناعة الصحافة، وما دامت الورشة كانت عن التشريعات، كان من المفروض وجود ورقة عن التشريعات التي تسهم في ترقية الصحافة وحماية الصحفيين والحفاظ علي حقوقهم.
والمتابع لمسيرة الصحافة السودانية خلال العقود الأربعة الماضية يجد أن الحكومات المتعاقبة ظلت مشغولة بما يضبط أداء الصحافة والصحفيين، بحيث لا يؤثر سلبا علي أمن الحكومة والدولة، وغير مهتمة تماما بما يضبط المؤسسات الصحفية، ويحفظ حقوق الصحفيين، وصار الدور الأعظم لمجالس الصحافة، هو ضبط إيقاع الصحفيين وتحصيل الرسوم الحكومية المفروضة علي المؤسسات الصحفية.
ومثال لما اقول أن المؤسسة الصحفية اذا سددت رسوم مجلس الصحافة لن يعاقبها، وقد لا يسالها عن سداد مرتبات الصحفيين، والمجلس يطلب من المؤسسات الصحفية شهادات خلو طرف من الضرائب والزكاة، ولا يسالها عن سداد استحقاقات صندوق الضمان الاجتماعي، رغم ان هذه يتم خصم ٢٥% منها من مرتبات الصحفيين، وعلي الرغم من وجود شروط واضحة، ومواصفات معلومة ومحددة للمؤسسات الصحفية في قانون الصحافة، إلا أن المؤسسة اذا سددت رسوم التصديق والتجديد لمجلس الصحافة، سوف يغض المجلس الطرف عن البيئة العامة والخاصة للمؤسسة، وكان السفير العبيد احمد مروح قد بذل جهدا كبيرا لالزام المؤسسات الصحفية بالشروط الواجب الإلتزام بها إبان توليه من الأمين العام للمجلس، الا انه لم يجد العون في ذلك، لا من الحكومة ولا من المؤسسات الصحفية، وهزمه ناس “باركوها” فاستسلم ولم يجد أكثر من وصف المؤسسات الصحفية ب”الكناتين”
والورقة الغائبة، ليس عن ورشة الصحافة هذه، وإنما عن فكر كل الحكومات المتعاقبة هي ^دور الحكومة في صناعة وتطوير الصحافة والإعلام في السودان”
فالبنية الأساسية للصحافة والاعلام في البلدان التي تشبه بلدنا السودان تقوم بها الحكومة، فلو أخذنا مصر مثالا لذلك نجد أن الدولة تتكفل بكل العمليات الأساسية في صناعة الصحافة، وأهم شيء في ذلك الطباعة ومدخلاتها، والتوزيع والإعلان، اما بالنسبة للإعلام الفضائي مثلا، يكفي ان نشير لوجود مدينة كاملة للإنتاج الاعلامي تمتلكها الدولة، وتستفيد منها كل الفضائيات الحكومية والخاصة، بينما لا يوجد استوديو واحد حكومي في السودان تستفيد منه الفضائيات الحكومية أو الخاصة.
ستظل صناعة الإعلام في السودان ضعيفة وهزيلة ما لم تتحمل الحكومة مسؤوليتها في ذلك، وستظل كل التشريعات عقيمة وفاسدة ما لم تتغير عقلية المشرعين، ولن يخرج المشرعون من حالة العقم السائدة، ولن ينتجوا قانونا فاعلا، حتي يفهموا أن غاية التشريع العليا هي تطوير وترقية أداء المؤسسات الصحفية والصحفيين وليس تكبيلهم، وبالله التوفيق والسداد.