إلى جنات النعيم حرمنا المصون الحنون؛ هويدا محمد شريف
ابقلم :عميد شرطة محمد الحسن جاد الله منصور
كان يوم الخميس الرابع من أغسطس الجاري يوماً حزيناً أليماً ، يوم فقدنا فيها شريكة العمر ورفيقة الدرب والأنيسة و الصديقة و الصاحبة والحبيبة ، يوم سالت فيه المآقي وانهمرت الدموع ، يوم أسلمت فيه حرمنا المصون الروح لبارئها وانتقلت من دار الفناء لدار البقاء ، واستراح الجسد المثقل بالأسقام و المنهك المرهق من التعب و العناء والجراح و الدماء.*
▪️ قاومتِ بصبر وجلد و بشجاعة نادرة لسنين الآلام ، لا تشتكين ولا تجزعين ولا تتبرَّمين ، كان لسانك يلهج دوماً بالشكر و الثناء و الحمد لله رب العالمين.
▪️ كنا نتألم كثيراً لألمك و مرضك، اجتهدنا كثيراً لتطبيبك و لعلاجك؛ ما سمعنا بطبيب ماهر ونطَّاس بارع إلا قصدناه ، ولا علاجاً و دواءً ناجعاً إلا جلبناه ، ولا راقياً موسوماً بالتقوى والصلاح والفلاح إلا وصلناه ٠ولو كانت الصحة والعافية تشتريان بالمال لفديناك بالغالي والنفيس.
▪️ كنتِ تتمنين أن تشهدي ثمار ما غرستيه من قيم وفضائل ومكارم فى الأبناء ، وتسعدي بزواجهم و نجاحهم و فلاحهم ، كنتِ تخافين عليهم كثيراً من غدر الزمان وجور الأيام. ، كنتٌ تشعرين بدنو الرحيل، استقبلت المنون بشجاعة لأنك كنت على عجل؛ رحلت مسرعةً فى شوق وحنين للقاء رب العالمين.
▪️ كنتِ تختلفين عن نساء العالمين؛ لا تهتمين بزخرف الحياة وزينتها من ذهب و حلي و ديباج و حرير ، كنت مرهفة الإحساس ، رقيقة ، صادقة المشاعر بسيطة يرضيك القليل ، ورثت الطيبة والورع والصلاح من والدك الجليل ( طيَّب الله ثراه ) .
▪️ تنادى المشيعون و المعزون لرحيلك بالآلاف ، النعش يشق طريقه بصعوبة بالغة بين أصوات البكاء و النحيب والتهليل و التكبير ، الموت سبيل الأولين و الآخرين ، لكننا موجوعون ، مفجوعون ٠
▪️ ستظل صورتك فى مخيلتي تجول في خاطري وداخلي ، ورسمك الجميل بين ناظريَّ ، وصوتك الحنون سيظل يداعب اذني و مسامعي ٠
▪️ *كان منزلك مشرع الأبواب قبلةً للأهل و الأحباب و الأصحاب ، كنتِ ملاذهم وأملهم و مبتغاهم، أسرتيهم بكرمك الفياض. يجدون عندك أطيب الطعام و أحلى الكلام ، تتفانين في خدمتهم ببشر و ترحاب و ابتسام ، امتد كرمك لضيوفنا القادمين من الشام إكرمتيهم بمنزلك اكثر من ثمانية اعوام ٠ ٠
▪️ *حباك الله بجميل السجايا و المناقب و الخصال. كنتِ تقية و نقية زاهدة في دنيانا ، لا همّازة ولا لمّازة ولا مشّاءة بنميم ، كنتِ شهاباً يضيء ويحترق، يتوهج ينير الدرب للآخرين ، كنتِ ينبوعاً من الحكمة و المودة والرأي السديد ٠*
▪️ الفقدُ جللٌ و المصابُ عظيمٌ وأليم ، ولكن لا نقول إلا ما يُرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون) ، كنتِ السند و العون و العضد و المدد ، و البلسم والسلوى و النجوى و الملاذ ،كنتِ نعم الجليس والأنيس ، سنظل نجتر ذكراك ، ويذكرك الأهل و الخلان و الحبان و الجيران بجميل الخصال ٠
▪️ كنتِ نعم الزوجة الصالحة الناصحة لبعْلها ، الحافظة لعهدها و وعدها وبيتها ، كنتِ الدفء والحنان و الأمان يا خير نساء الزمان ، لم تخيبي ظني وأملي ورجائي عندما اصطفيتك واخترتك من بين جميع الأنام .
▪️ سأكون بإذن الله حافظاً للعهد و الوعد ، ما دمت حياً ، بأن أرعى أبناءنا فلذة أكبادنا و ثمرة فؤادنا؛ صغيرهم وكبيرهم ، أذود عن حماهم بالغالي والنفيس، أشد من أزرهم و أقوِّي عضدهم و شوكتهم وشكيمتهم ، أحميهم من كل ما يؤذيهم ، أبذل قصارى جهدي لتعليمهم ، وتطببيهم ، وعلى كتاب الله وسنة رسوله؛ صلى الله عليه و سلم، أنشئهم و أربيهم ، حتى الرمق الأخير من حياتي بإذن الله ٠
▪️ أدعو الله أن يوفقني في أن أسد النذر اليسير من عطفك و مودتك و حنانك لأبنائك ، ففقد الأم كبيرٌ وملؤه عسير ، فالمسئولية كبيرة وعظيمة وصعيبة وجسيمة ،
*لكني لن آلو جهداً ولن أدخر وسعاً فى تنشئتهم ، فنامي قريرة العين جزلانة ٠
▪️ *زوجتي العزيزة.. و الله إنا لفراقك لمحزونون ، محزونون، لأنك ملكتِ قلوبنا وعقولنا ونفوسنا ٠ واعلمي أننا نحبك في دار الخلود كما أحببناك في دار الفناء ٠*
▪️ رحلتِ عنا ورحلت معك الطيبة و المودة و المحبة، ورحل معك فيضٌ من الحنان و المشاعر الصادقة ، رحلتِ وتركتينا للأوجاع و الأسقام نغرق فى موجِها ،تتنزل علينا جبال الهموم و يعجز القلم عن التعبير عن ما يجيش بخاطرنا من هول المصيبة ٠
▪️ شكراً لك عزيزتي لأنك منحتينا الحب و الود و الوجد والعطاء و الأبناء ، كنتِ دوماً تزودينا بطاقات دفعٍ إيجابية ، وشكراً لأنك احتملتِ كل ما فينا من تقصير ، فلا والله لن ننساك حتى نفارق الحياة ، فإن غاب جسدك عنا ستكون روحك معنا في كل ركن من أركان منزلنا ، ستكونين معنا في صبحنا ومسائنا ، في حلٌّنا وترحالنا ، سنراك في قسمات و نظرات ابنائنا، عزيزتي الغالية، فقدك أصعب امتحان وأعظم ابتلاء ، نسأل الله أن يصبٌّرنا ويربط على قلوبنا ويجبر بخاطرنا وأن يجمعنا بك في اعلى الجنان ٠
▪️ اسأل الله باسمه العظيم الأعظم أن يجعلك من أصحاب اليمين وأن يجعل الجنة متقلبك ومأواك يارب العالمين ، ونسأل الله أن يُكرم نُزلك في اعالي الجنان، يا حنَّان يامنَّان،
وأن يجعل اللهُ مرضك وصبرك كفارةً لك و رحيلاً بذنوبك يارب العالمين ، وأن يغسلك اللهُ بالماء و الثلج والبرد ، وينقيك من الخطايا و الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأن يجزيك الله بالحسنات إحساناً و بالسيئات عفواً و غفراناً.. يارب العالمين ، وأن يخرجك اللهُ من ضيق اللحود و مراتع الدود إلى جناته جنات الخلود ، وأن يحشرك اللهُ مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ، ونسألك اللهم رحمة منك تغشاها تؤنَّس وحشتها في قبرها . اللهم إنها ضيفة عندك نزلت في ذمتك وفي جوارك ، طامعة في مغفرتك، فلا تخيِّب رجاءها ورجاءنا فيك، فأدخلها في عبادك الصالحين ، اللهم يمَّن كتابها ويسَّر حسابها يارب العالمين ، وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صارت إليه، وارحم اللهم موتانا و موتى المسلمين ، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين ، (إنا لله وإنا إليه راجعون)
▪️ زوجك المكلوم
▪️ محمد الحسن جاد الله منصور