
النقل الحضري: فرصة ذهبية لتنظيم المواصلات بعد الحرب
شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
يصادف الثالث من يونيو من كل عام اليوم الدولي للدراجات الهوائية، وهو مناسبة لا تقتصر على الاحتفال بمركبة بسيطة وصديقة للبيئة، بل تمتد لتشمل الإشادة بفوائدها المتعددة على صحة الإنسان والبيئة والاقتصاد. في خضم التحديات التي تواجه المدن السودانية، لا سيما الخرطوم بعد الدمار الذي خلفته الحرب، يصبح هذا اليوم أكثر من مجرد احتفالية عابرة؛ إنه دعوة ملحة لإعادة التفكير في منظومة النقل والمواصلات، ووضع الدراجة الهوائية في صلب الحلول المستقبلية.
لقد عانت الخرطوم ومدن سودانية أخرى من ويلات الصراع، تاركة خلفها بنية تحتية مدمرة وشبكة مواصلات مشلولة. في هذه المرحلة الحرجة التي تلي انتهاء الحرب، تبرز الحاجة الملحة إلى حلول مبتكرة وفعالة لتنظيم حركة المواصلات وتقليل الازدحام الذي خنق المدن حتى قبل اندلاع الصراع. وهنا، تأتي الدراجة الهوائية لتلعب دورًا محوريًا، ليس فقط كبديل مؤقت، بل كجزء أساسي من رؤية شاملة للنقل المستدام.
إن البدء بتعميم استخدام الدراجات الهوائية في الخرطوم والمدن الأخرى يمثل خطوة أولى عملية ومستدامة. الدراجات لا تتطلب بنية تحتية معقدة في البداية، كما أنها صديقة للبيئة ولا تنتج أي انبعاثات ضارة. ويمكن أن تساهم بشكل كبير في تقليل الضغط على وسائل النقل العام، خاصة في المسافات القصيرة والمتوسطة. ولتعزيز هذا التوجه، لا بد من:
توفير مسارات خضراء آمنة: يعد هذا الشرط أساسيًا لنجاح أي مبادرة لتعميم الدراجات. يجب تخصيص مسارات آمنة ومنفصلة للدراجات، بعيدًا عن حركة السيارات، مع توفير الإضاءة الكافية والعلامات الإرشادية. يمكن استغلال المساحات الخضراء القائمة أو إعادة تأهيل بعض الشوارع لتشمل هذه المسارات.
توزيع الدراجات بالتقسيط المريح: لتشجيع شرائح واسعة من المجتمع على اقتناء الدراجات، يمكن تبني برامج لتقسيط ثمنها بأسعار ميسرة، خاصة للطلاب والعمال والموظفين، بالتعاون مع البنوك والمؤسسات المالية.
تذكرنا تجربة مدينة عطبرة الصناعية في سبعينيات القرن الماضي بجدوى التنقل بالدراجات. كانت عطبرة مدينة نموذجية في استخدام الدراجات الهوائية كوسيلة نقل رئيسية، مما ساهم في انسيابية الحركة وتقليل التلوث. هذه التجربة التاريخية يجب أن تكون حافزًا لنا للاستفادة من الماضي وبناء مستقبل أفضل لمدننا.
لا تقتصر رؤيتنا على تعميم الدراجات فحسب، بل تمتد لتشمل تطوير منظومة نقل حضري متكاملة ومستدامة، تهدف إلى:
تشييد مترو الخرطوم و المونوريل: على المدى الطويل، يعد مشروع مترو الخرطوم و المونوريل ضرورة ملحة لتلبية احتياجات النقل المتزايدة في العاصمة. هذه المشاريع الضخمة ستوفر حلولًا فعالة وسريعة للتنقل لمسافات طويلة، وستقلل بشكل كبير من الازدحام المروري.
تفعيل خطوط الأتوبيسات الترددية (BRT): توفر أنظمة الأتوبيسات الترددية حلولًا متوسطة المدى، حيث تسير الحافلات على مسارات مخصصة، مما يضمن سرعة الوصول وتقليل وقت الانتظار.
تشجيع السيارات الكهربائية والصديقة للبيئة: يجب أن يشمل التوجه المستقبلي تشجيع استخدام السيارات صغيرة الحجم التي تسع 3 ركاب وتعمل بالطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي أو الهجين (كهرباء وغاز). هذه الخطوة ستقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتساهم في تحسين جودة الهواء.
إن إعادة بناء السودان بعد الحرب يتطلب رؤية شاملة ومبتكرة، لا تقتصر على ترميم المباني، بل تمتد لتشمل إعادة بناء منظومة الحياة بأكملها. وفي هذا السياق، يلعب قطاع النقل والمواصلات دورًا حيويًا. إن البدء بتعزيز ثقافة الدراجات الهوائية، ثم الانتقال إلى تطوير بنية تحتية متكاملة للنقل العام، هو السبيل لمدن سودانية أكثر حيوية، وأقل ازدحامًا، وأكثر صحة واستدامة.