(تأملات) .. جمال عنقرة .. الإسلاميون .. لا خير فينا إن لم نقلها
لم أجد ما أستهل به تعليقي علي بعض إخواننا الإسلاميين من الذين لم يرضهم نقدي الصريح لطريقة تعامل بعضهم مع مبادرة “نداء أهل السودان” التي يقودها الشيخ الطيب الجد، لم أجد ما أستهل به هذا التعليق أفضل مما قاله أخي أحمد كمال الدين ردا علي أحد خصوم الإسلاميين من الذين حاولوا استثمار قولي للهجوم علي المبادرة والشيخ الطيب الجد، والإسلاميين والمؤتمر الوطني، فكتب أخي أحمد كمال الدين “أكيد تكون عرفت الآن (شكراً لفصاحة جمال عنقرة) أن الاسلاميين يرسمون بالفرشاة الدقيقة لا العريضة، و يمارسون الجرح و التعديل وينتقدون مسارات السياسة بغض النظر عن شخوصها. جمال عنقرة بالذات ذو نشاط و همة لا تفتر في جهود الاصلاح النوعي و الموضوعي و المنحاز لقيم الطلاقة و الحرية في إطار التوحيد.”
وبعد الشكر لأخي أحمد لحسن الظن، وشهادة الحق، وهو مشهود له بها، أقول لأخواني الذين يزعمون أن مثل ما كتبت كان ينبغي أن يكون نصحا سرا، ولا اجهر به، أقول لهم أن هذه هي السنة التي نلتزمها، وهذا ما كان يحث عليه النبي صلي الله عليه وسلم، ويحرض أصحابه عليه، ومن شواهد ذلك أنه لما تداخلت القراءة علي الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة جهرية، فلما انقضت الصلاة سأل أحد أصحابه رضوان الله عليهم “أصليت معنا؟” فلما رد عليه بالإيجاب قال له صلي الله عليه وسلم معاتبا “ما منعك؟” أي ما منعك أن تصوبني، وكثيرا ما يستشهد الناس بالصحابية التي عارضت الفاروق عمر بن الخطاب في مسألة المهور، وكذلك الذي قال للفاروق رضي الله عنه “لا سمع ولا طاعة” لأنه رآه يلبس قماشا أكبر مما يلبس عموم المسلمين، فأمر الفاروق إبنه عبد الله ليقف ويري الناس أنه تبرع لأبيه بنصيبه، وبعدها جلس الرجل وقال لأمير المؤمنين “الآن قل نسمع ونطيع” وما أفعله اليوم من نصح أهتدي فيه بهذا الهدي المحمدي، وبأصحابه الكرام الذين هم كالنجوم، بأيهم نقتدي نهتدي بإذن الله تعالي.
أما علي مستوي السودان، وعلي مستوي الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وحكومة الإنقاذ السابقة، فلقد استقمت علي النصح منذ أيامها الأولى، وفعلت ذلك عندما لم يكونوا يطيقون ذلك، ولا يحتملونه، ويعلم كثيرون كم دفعت ثمنا لهذا، فلقد تعرضت للاعتقال مرات عدة، والمصادرة، وحروب شتي، وكان كل ذلك بسبب دعواتي للحوار، وقبول الآخر، ومع ذلك لم أتخل عن النصيحة وقول الحق، حتي آخر يوم لها في الحكم، ولعل الناس يذكرون الحملة التي قدتها من أجل الإصلاح الإقتصادي ودعوت فيها الأثرياء الإسلاميين ليفعلوا مثلما فعل السلف الصالح من الصحابة أمثال ابو بكر الصديق، وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم، أو مثل السابقين من الإسلاميين مثل الشيخ عبد الباسط، ومحمد عبد الله جار النبي، والطيب النص وغيرهم، ثم الحملة للإصلاح السياسي، وأشهد أن المشير البشير كان قد قبل مقترحا قدمته له للعودة لفكرة حل الحكومة وكل أجهزة الحكم، وتشكيل حكومة انتقالية قومية، واقترح أن اسافر معه إلى العاصمة التشادية انجمينا لمؤتمر الساحل والصحراء لمزيد من التشاور، وانجز وانجز وزير رئاسة الجمهورية الدكتور فضل عبد الله فضل كل مطلوبات السفر، واحضرت حقيبتي من أم درمان ووضعتها في مكاتب صحيفة الوطن تحسبا لغلق الجسور، ولكن سبق السيف العزل، فسقطت الإنقاذ، ولم نسقط، ولم ولن نتخلي عن انتمائنا للحركة الإسلامية حتى بعد أن سقطت حكومتها، ولم نقل لهم “نحن قبيل شن قلنا”
وما أقول به اليوم نصحا وتقويما وإصلاحا، لا نري الحق يقوم إلا به، ولئن كنا قد استقمنا علي قول الحق، وصبرنا عليه، ونحن لا نزال شبابا لنا ما يمكن أن نطمع فيه، وقد نخشي ما يمكن أن يصيبنا من عواقبه، فلا بد أن نكون اليوم وقد قطعنا من العقد السابع من العمر أكثره، ولم يعد في الدنيا شئ نتمناه من حطام الدنيا، ولا شئ نخشي ضياعه، لا بد أن نكون أكثر استقامة في النصح وأجلد صبرا عليه.
وبشان مبادرة الشيخ الطيب الجد، فهي شعاع لاح في آخر النفق، وسلوك كثيرين من الذين يقودون مسارها يخصم منها ولا يضيف إليها، ولست ضد أن يكون للاسلاميين دور فيها، أو في أي حراك وطني، ولكن ضد تكرار ذات الأخطاء القديمة، وأرى في كثير مما يفعلون أسوأ مما كان قديما، ولقد ذكرت في المقال قبل الأخير نماذج للتجاوز في الاختيارات، سواء علي مستوي الطرق الصوفية، أو الإدارات الأهلية، أو المكونات السياسية، أو غيرها، وأرجو أن يستبينوا النصح قبل ضحي الغد بإذن الله تعالي.