
(تأملات) ..جمال عنقرة ..العسكريون .. هل يقودون البلد إلى الهاوية؟
عندما أذكر “العسكريون” في هذا المقال تحديدا لا أعني المؤسسة العسكرية السودانية، لكنني أعني المجموعة التي تمثل القيادة الرمزية للمؤسسة العسكرية، واعني تحديدا اليوم مجموعة الخمسة الذين يمثلون المؤسسة العسكرية في مجلس السيادة، وأعني اللجنة الأمنية حتى سقوط حكم الإنقاذ، وأقول بهذا التوضيح لأن كثير من القرارات والمواقف التي اتخذتها، أو تتخذها هذه المجموعة العسكرية، لا سيما اليوم لا تمثل المؤسسة العسكرية، ولم تعرض عليها كمؤسسة، بل إن مجموعة الخمسة لم تعد بينها قواسم مشتركة أكثر من عضويتها في مجلس السيادة، وهذا هو أس المشكلة.
إن التناقض والتعارض الموجود بين القيادات العسكرية في مجلس السيادة، والذين يشكلون القيادة الحقيقية للمجلس، بل للبلد كلها، لم تعد خلافاتهم خافية علي أحد، بل لم يعد يوجد اثنان منهم علي قلب رجل واحد، ويتجسد ذلك هذه الأيام بصورة واضحة وجلية في المواقف والتصريحات التي يطلقها نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” ونشير في ذلك إلى أقواله المتعددة بفشل الحكومة، وأخيرا حديثه الواضح عن فشل قرارات ٢٥ أكتوبر، وكأنه يريد أن يحمل الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة المسؤولية وحده، وتتناقل مجالس المدن هذه الأيام زيارته لولاية نهر النيل بعد زيارة البرهان ومبارك أردول مباشرة، وتحريضه المواطنين للبحث عن حقوقهم في الذهب المستحقة كمسؤولية مجتمعية علي المعدنين، ولعل الناس يذكرون ما كان بين السيد حميدتي، والفريق أول ركن شمس الدين كباشي من تراشق بالكلمات علي الملأ كافة، ولعلهم يذكرون أيضا كثيرا مما قاله الفريق الركن ياسر العطا، وما قيل عنه، لا سيما التصريح الذي ادلي به المستشار الإعلامي للسيد رئيس مجلس السيادة العميد الدكتور الطاهر أبو هاجا، ردا علي تصريح غريب له، وتصريح الدكتور أبو هاجا كان يمثل السيد رئيس مجلس السيادة علي الأقل.
هذه الخلافات والاختلافات بين العسكريين في مجلس السيادة، والتي ذكرتها نموذجا فقط لما بين هؤلاء الخمسة الذين يقودون البلد، ذكرتها فقط للتأكيد علي أنهم ليسوا علي قلب رجل واحد، وهذا ما يجعلهم واقفين عاجزين عن إتخاذ اي قرار يمكن أن ينقذ البلاد مما هي فيه، وهو ذاته السبب الذي يوقفهم عاجزين عن تشكيل حكومة بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، والتي أوشكت أن تبلغ العام، وهي ذات الأسباب التي تجعل السيد الرئيس القائد البرهان يحدد آجالا لحسم قضايا معينة، لكنها تمر دون أن يحدث شئ، ثم يحدد آجالا أخري، وتمر مثل سابقاتها ثم لا يحدث شئ، وهكذا تقترب البلاد من حافة الهاوية وتقترب، ولا أمل يلوح في الأفق القريب ولا البعيد حتى.
ولا زلت عند موقفي القديم بأن ثورة ديسمبر قاد انتفاضتها الشعب السوداني – كل الشعب السوداني – بلا استثناء، ولم يكن للأحزاب السياسية دور أساسي فيها، وأن سقوط نظام الإنقاذ تم بقرار اللجنة الأمنية، أكثر منه بفعل المظاهرات، وأستدل علي ذلك بأن مظاهرات سبتمبر ٢٠١٣م كانت أعنف من مظاهرات ديسمبر ٢٠١٨م، ولكن في ديسمبر ٢٠١٨م اللجنة الأمنية هي التي حسمت الأمر في الحادي عشر من شهر أبريل ٢٠١٩م، وبرغم أني شخصيا أحمد لهذا القرار أنه حقق هبوطا آمنا للثورة، بعد أن رفض النظام السابق الاستجابة لكل الحلول الموضوعية، لكنه وضع أشياء كثيرة في غير موضعها، أولها أنه ملك سلطة الشعب إلى من لا يمثلون الثورة ولا الشعب، ووضع رأس الجيش برأس أحزاب سياسية لا رأس لها، وفتح الباب لتدخلات خارجية لم يسبق لها مثيل، وأسوأ ما في الأمر أن الذين صاروا يمثلون المؤسسة العسكرية، افتقدوا أهم مقومات المؤسسة العسكرية، وهي الإنسجام، والذي يسميه العسكريون “الإنضباط” أو “الضبط والربط” بلغة العسكر، وهذا ما يتضح في الأمثلة التي ذكرتها في صدر هذا المقال، وهي قليل من كثير.
ومثلما قلت وأكدت أن دور اللجنة الأمنية شكل الكلمة الفصل في إسقاط نظام الإنقاذ، وأنهم ظلوا مسؤولين بمن بقي منهم في تمثيل المؤسسة العسكرية في الحكم، ظلوا مسؤولين عن كل ما جري طوال سنوات الفترة الإنتقالية، ولا يزال يجري، فإنهم وحدهم المسؤولون عن إخراج البلد مما هي فيه، ولا أحد غيرهم يسأل عن ذلك، إلا أن المشكلة الكبري، والتي تجعل الناس كلهم في حيرة من أمرهم، هي الإجابة علي السؤال الصعب، كيف يمكن لهؤلاء العسكريين وهم علي هذا التناقض والتعارض أن يقودوا البلد إلى بر الأمان، وهذا ما يجعلنا ويجعل كثيرين من أهل السودان يخشون من أن يقود هؤلاء العسكريون بخلاقاتهم واختلافاتهم هذه السودان إلى الهاوية، ونسأل الله اللطف، والحفظ والصون، وهو علي كل شئ قدير.